الباحثون المسلمون في الأعم الغالب، لا يرجعون إلى أوائل الانحرافات عن الإسلام؛ وهم مختلفون في هذا؛ فأغلب الحركيين من إخوان وسروريين وصحويين؛ يرجعون أول الانحرافات إلى سقوط الخلافة (العثمانية)؛ وهذا يعني أنهم يرونها النموذج! رغم مظالمها؛ والقليل منهم يرتقي قليلاً ويعترف - على استحياء - أن الانحراف عن الإسلام بدأ من العهد الأموي، فهو بداية الملك العضوض، وهؤلاء أقرب من سبقهم.
وبعضهم يرتقي قليلاً ويعود إلى السنوات الست الأخيرة من عهد عثمان، ويرون أن الخلل بدأ من هناك؛ ويرون أن خلافة علي إحياء لخلافة الشيخين. ثم النادر جداً من يرجع بداية الخلل إلى ما بعد النبي مباشرة، ويرون أن السقيفة هي بداية الخلل السياسي والمعرفي والحقوقي الخ.
كل هؤلاء أخالفهم!
أخالف كل هؤلاء لأن القرآن الكريم قد ذكر بداية الخلل وسجله ووصفه وذكر فئاته وسجل ترتيبه التصاعدي؛ وكذلك في السنة النبوية فيها تسجيل لكثيره؛ بدأ الخلل في أول إنكار لأول سورة من القرآن الكريم؛ بدأ بكفر قريش بالرسالة وتكذيبهم للنبي وما لحق ذلك من تعذيب وتهجير وتحالفات ومكر الخ؛ إذا لم يتم تسجيل بداية الانحراف عن الدين من كفار قريش، فسيكون البحث قاصراً؛ لأن كفار قريش كان أكبر الأثر على بعض الصحابة؛ وقد سجل ذلك القرآن.
نعم؛ الانحراف الأموي هو الأكبر والأعمق؛ ولكن لا يجوز أن نهمل بدايات الانحراف، التي نتج عنها هذا الانحراف الأموي الكبير؛ فإنه لم يأت من فراغ. وعند البحث عن أسباب الانحراف لا يجوز أن نقتصر على النواحي السياسية فقط؛ وإنما كل الأسباب؛ سياسية وثقافية ومصلحية وعصبيات وتحالفات قبلية الخ.
مراقبة الأثر السياسي فقط - وعلى حرج - هو الذي أفقد المسلمين القدرة على مراقبة المشهد كله؛ فالانحراف السياسي هو نتيجة انحرافات ثقافية سابقة. وكان يجب على االباحثين مراقبة كل العوامل التي أنتجت هذا الظلم والبؤس والتخلف والنزاع بين المسلمين، ولابد أن يكون في القرآن الوصف والحل؛ تحليل الشخصية الكافرة والمشركة والمنافقة والمتربصة والمذبذبة الخ؛ وغيرها من النفسيات الموصوفة في القرآن الكريم؛ هو بداية معرفة الخلل العام.
فعند تحليل العوامل التي تتشكل منها (شخصية الكافر) - مع وفرة المادة القرآنية عن هذه الشخصية - سيوفر لنا فهماً للكفر؛ ثم قوة علمية في تجنبه؛ ثم سنتعلم بعد ذلك ، لماذا كفر الكافر؟ هل كفر كل الكفار له أسباب واحدة؟ أم أن هناك أسباباً متعددة تبعاً لاختلاف العقول والقلوب كما هو اليوم؟
ثم توفير هذه المادة القرآنية عن (الكفر) سيجعلنا نفهم أنواع الكفر وأسبابه العصبية والاجتماعية؛ بل والثقافية أيضاً؛ ليس الكفر مفهوماً تماما.
ثم سنعرف كيف استطاع الكفار التأثير في بعض المسلمين في مكة، وعلى بعضهم في المدينة؛ حتى أنهم كانوا يسرون إليهم بالمودة (بنص القرآن الكريم). وبما أن بعض المسلمين كان يسر إليهم بالمودة ويبتغي عندهم العزة ويحمونهم من القتل في المعارك؛ فهذا يعني أن ثقافة الكفر لها أثر في المسلمين. فكيف بثقافة العصبيات وما جرى من حروب ومقتل قرابات وتحالف مع اليهود في محو علامات النبوة وغير ذلك مما سجله القرآن في دور الكفار وأثرهم.
في البداية حتى تفهم (لماذا كفر الكفار)؛ لابد أن تحصر الأسباب التي ذكرها القرآن؛ من كبر وعصبية وحسد أو حب للدنيا أو مكر تزول منه الجبال الخ.
لا يكفي أن تقول : هم تكبروا وخلاص؛ ربما لو كنت أنت موجوداً في مكة يوم البعثة لكنت من هؤلاء الذين كفروا بالنبوة؛ افهم الكافر لماذا كفر؟ لا تظن أن الكفار كانوا في مستوى واحد؛ فبعضهم كفر لكبره وعصبيته؛ وبعضهم لتبعيته لكبار القوم؛ وبعضهم للمصلحة؛ وبعضهم لضعف عقله وعدم استيعابه.
انحراف كفار قريش عن الإسلام أو توليهم أو إعراضهم أو تشكيكهم أو ضغوطهم أو عاداتهم وأعرافهم.. الخ؛ لا تظن أنه ليس له أثر في فريق من المؤمنين؛ وكذلك كان لتجارتهم وأموالهم دور كبير في نفاق كثير من الأعراب وكفر اليهود وربطهم مع المنافقين في حلف سري كشفه القرآن.
فهم ثقافة كفار قريش ستفيدنا عندما نأتي لتحليل الشخصية النفاقية والمتربصة والمذبذبة من ضعاف الإيمان،... فهم ثقافة كفر قريش خاصة له ما بعده.
ثقافة الكفر في القرآن يجب بحثها في قسمين:
الأول: وصف الشخصية الكفرية - بشكل عام - للأمم السابقة.
الثاني: وصف الثقافة الكفرية لقريش خاصة.
لا أعرف من الباحثين أو المؤرخين - لا ابن خلدون ولا غيره - من حاول الغوص في الشخصية القرشية التي أنكرت الرسالة وكذبت النبي واضطهدت أتباعه.
نعم؛ هناك محاولة متقدمة للدكتور حسين مؤنس في كتابه (تاريخ قريش)؛ إلا أنه ركز على العلاقات التجارية والعصبيات، دون الإيغال في النفسية.
يتبع
حسن بن فرحان المالكي
وبعضهم يرتقي قليلاً ويعود إلى السنوات الست الأخيرة من عهد عثمان، ويرون أن الخلل بدأ من هناك؛ ويرون أن خلافة علي إحياء لخلافة الشيخين. ثم النادر جداً من يرجع بداية الخلل إلى ما بعد النبي مباشرة، ويرون أن السقيفة هي بداية الخلل السياسي والمعرفي والحقوقي الخ.
كل هؤلاء أخالفهم!
أخالف كل هؤلاء لأن القرآن الكريم قد ذكر بداية الخلل وسجله ووصفه وذكر فئاته وسجل ترتيبه التصاعدي؛ وكذلك في السنة النبوية فيها تسجيل لكثيره؛ بدأ الخلل في أول إنكار لأول سورة من القرآن الكريم؛ بدأ بكفر قريش بالرسالة وتكذيبهم للنبي وما لحق ذلك من تعذيب وتهجير وتحالفات ومكر الخ؛ إذا لم يتم تسجيل بداية الانحراف عن الدين من كفار قريش، فسيكون البحث قاصراً؛ لأن كفار قريش كان أكبر الأثر على بعض الصحابة؛ وقد سجل ذلك القرآن.
نعم؛ الانحراف الأموي هو الأكبر والأعمق؛ ولكن لا يجوز أن نهمل بدايات الانحراف، التي نتج عنها هذا الانحراف الأموي الكبير؛ فإنه لم يأت من فراغ. وعند البحث عن أسباب الانحراف لا يجوز أن نقتصر على النواحي السياسية فقط؛ وإنما كل الأسباب؛ سياسية وثقافية ومصلحية وعصبيات وتحالفات قبلية الخ.
مراقبة الأثر السياسي فقط - وعلى حرج - هو الذي أفقد المسلمين القدرة على مراقبة المشهد كله؛ فالانحراف السياسي هو نتيجة انحرافات ثقافية سابقة. وكان يجب على االباحثين مراقبة كل العوامل التي أنتجت هذا الظلم والبؤس والتخلف والنزاع بين المسلمين، ولابد أن يكون في القرآن الوصف والحل؛ تحليل الشخصية الكافرة والمشركة والمنافقة والمتربصة والمذبذبة الخ؛ وغيرها من النفسيات الموصوفة في القرآن الكريم؛ هو بداية معرفة الخلل العام.
فعند تحليل العوامل التي تتشكل منها (شخصية الكافر) - مع وفرة المادة القرآنية عن هذه الشخصية - سيوفر لنا فهماً للكفر؛ ثم قوة علمية في تجنبه؛ ثم سنتعلم بعد ذلك ، لماذا كفر الكافر؟ هل كفر كل الكفار له أسباب واحدة؟ أم أن هناك أسباباً متعددة تبعاً لاختلاف العقول والقلوب كما هو اليوم؟
ثم توفير هذه المادة القرآنية عن (الكفر) سيجعلنا نفهم أنواع الكفر وأسبابه العصبية والاجتماعية؛ بل والثقافية أيضاً؛ ليس الكفر مفهوماً تماما.
ثم سنعرف كيف استطاع الكفار التأثير في بعض المسلمين في مكة، وعلى بعضهم في المدينة؛ حتى أنهم كانوا يسرون إليهم بالمودة (بنص القرآن الكريم). وبما أن بعض المسلمين كان يسر إليهم بالمودة ويبتغي عندهم العزة ويحمونهم من القتل في المعارك؛ فهذا يعني أن ثقافة الكفر لها أثر في المسلمين. فكيف بثقافة العصبيات وما جرى من حروب ومقتل قرابات وتحالف مع اليهود في محو علامات النبوة وغير ذلك مما سجله القرآن في دور الكفار وأثرهم.
في البداية حتى تفهم (لماذا كفر الكفار)؛ لابد أن تحصر الأسباب التي ذكرها القرآن؛ من كبر وعصبية وحسد أو حب للدنيا أو مكر تزول منه الجبال الخ.
لا يكفي أن تقول : هم تكبروا وخلاص؛ ربما لو كنت أنت موجوداً في مكة يوم البعثة لكنت من هؤلاء الذين كفروا بالنبوة؛ افهم الكافر لماذا كفر؟ لا تظن أن الكفار كانوا في مستوى واحد؛ فبعضهم كفر لكبره وعصبيته؛ وبعضهم لتبعيته لكبار القوم؛ وبعضهم للمصلحة؛ وبعضهم لضعف عقله وعدم استيعابه.
انحراف كفار قريش عن الإسلام أو توليهم أو إعراضهم أو تشكيكهم أو ضغوطهم أو عاداتهم وأعرافهم.. الخ؛ لا تظن أنه ليس له أثر في فريق من المؤمنين؛ وكذلك كان لتجارتهم وأموالهم دور كبير في نفاق كثير من الأعراب وكفر اليهود وربطهم مع المنافقين في حلف سري كشفه القرآن.
فهم ثقافة كفار قريش ستفيدنا عندما نأتي لتحليل الشخصية النفاقية والمتربصة والمذبذبة من ضعاف الإيمان،... فهم ثقافة كفر قريش خاصة له ما بعده.
ثقافة الكفر في القرآن يجب بحثها في قسمين:
الأول: وصف الشخصية الكفرية - بشكل عام - للأمم السابقة.
الثاني: وصف الثقافة الكفرية لقريش خاصة.
لا أعرف من الباحثين أو المؤرخين - لا ابن خلدون ولا غيره - من حاول الغوص في الشخصية القرشية التي أنكرت الرسالة وكذبت النبي واضطهدت أتباعه.
نعم؛ هناك محاولة متقدمة للدكتور حسين مؤنس في كتابه (تاريخ قريش)؛ إلا أنه ركز على العلاقات التجارية والعصبيات، دون الإيغال في النفسية.
يتبع
حسن بن فرحان المالكي
بداية الانحراف الأول عن الإسلام الأول ..متى كان؟! {ألجزء الأوّل}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق