عاد من جامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية، بعدما طاف لسنوات على الجامعات الفرنسية والإيطالية والأميركية، باحثا في حقل الفيزياء النظرية، لكنه قرّر في نهاية المطاف أن يضع معارفه الدقيقة، وخبراته التعليمية في خدمة بلاده، فاختار مسقط رأسه، لينتسب إلى جامعة وادي سوف، حيث عيّن سريعا رئيسا لمجلسها العلمي بحكم سيرته العالمية، إنه البروفيسور جمال ضو.
كان الباحث الجزائري الذي سجّل اسمه في الخارج بأحرف من ذهب، يعلم أنّ بعض بني جلدته يعانون من عقدة معاداة اللغة العربية، ومركّب النقص تجاه الإنجليزية، لكن لم يخطر على باله إطلاقا، أن تكلّفه الحرقة على لغته الأمّ في وطنه، الطرد من طائرة تابعة للخطوط الجزائرية!.
نعم هذا ما وقع بالضبط، حيث كان من المفترض أن يعود الرجل نهاية الأسبوع من الجزائر إلى الوادي، عند الساعة 10:15، على متن الرحلة رقم 6252، حيث صعد الدكتور جمال ضو الطائرة، لكن وبعد لحظات جاءته المضيفة، وبلغة فرنسية محضة، طلبت منه أن يغيّر مكانه، فما كان منه سوى الموافقة.
المشكلة لم تتوقف هنا، بل بدأت المأساة المهينة لعالم فيزياء لم تشفع له مرتبته العلمية والاجتماعية، حينما أقدم على تنبيه المضيفة لاستعمالها الفرنسية فقط، لأنها لم تنطق كلمة واحدة بالعربية أو الدارجة في حديثها مع المسافرين، فأخذ قصاصة قصيرة، وكتب عليها بالانجليزية الفقرة التالية: "ليس لك الحق أن تكلميني بالفرنسية، فهذه ليست لغتي...يمكنك أن تحديثي بالعربية أو الإنجليزية... عليك الاختيار"، وقد تعمّد توجيهها عبر الرسالة الورقية تفاديا لإحراجها أمام الركّاب.
أخذت المضيفة الورقة إلى قمرة القيادة، ليخرج قائد الطائرة بعد لحظات، ثم في حوالي عشر دقائق، جاء شرطيان يطلبان من البروفيسور ضو النزول ليتحدثوا إليه، فردّ عليهما: لماذا لا نتحدث هنا، فأصرّا على هبوطه لإتمام الكلام، حينها قرّر النزول إلى الأسفل، ليسألاه عن حقيبته، وبعد أخذ وردّ بين الطرفين، انزعج الدكتور ضو من التصرف معه، على أساس أنه لم يرتكب أي مخالفة، فصعد مرّة ثانية للطائرة، وقتها لحق به ثلاثة من أفراد الشرطة وأجبروه على المغادرة مجددا، بعدما هدّدوه بتحرير محضر عدم الامتثال، وأبلغوه أنهم ينفذون أوامر يجب تنفيذها!.
وعند أسفل الطائرة، التقى بقائدها الذي قال له حرفيا "أنه يرفض أن يقود الطائرة وهو فيها، لأنه يشكّل خطرا على سلامتها"، وعلّق عناصر الشرطة أنّ قائد الطائرة سيد قراره وهو حر، فردّ عليهم الضحية، أنّ الطائرة ليست طائرته بل طائرة كل الجزائريين، ورغم محاولة الشرطة لمدة قاربت 20 دقيقة، حلّ المسألة وديّا، فقد أصرّ قائد الطائرة على موقفه، لتحلّق من دونه بعدما تأخرت كثيرا عن موعد الإقلاع المحدّد.
بعد ذلك، اصطحبت الشرطة الباحث الفيزيائي إلى مقرها، وتم تحرير محضر إعلام، محتفظة بالورقة التي سلّمها للمضيفة، ووجّهته لاسترجاع التذكرة، لأنه لا توجد قضية أصلا، بدليل أنّ طاقم الطائرة رفض تقديم شكوى لوكيل الجمهورية، لإدراكهم عدم امتلاك أي قرينة إدانة في حق المسافر المحروم من الصعود بسبب الدفاع عن اللغة العربية!.
وهكذا منعت شركة الشعب "الجوية الجزائرية"، مواطنا جزائريا برتبة عالم فيزياء من ركوب طائرتها، لأنه تجرّأ فسمح لنفسه بالغيرة على اللغة الوطنية، مع أنه يتقن العديد من اللغات الأجنبية، أهمها الانجليزية والإيطالية والفرنسية، ويعرف أساسيات اللغة العبرية، لكنه ازداد تشبثا بانتمائه حينما انفتح على العالم الآخر عبر قاراته الخمس.
وقد أثّرت هذه الواقعة الغريبة في نفسية الباحث الجزائري، والتي لم يعرف لها مثيلا في حياته، وهو الذي تنقل عبر مطارات العالم، فقرّر رفع دعوى قضائية عاجلة ضد مسؤولي الشركة، مثلما توعّد بمتابعة القضية على كافة المستويات، ليس للدفاع عن حقوقه المعنوية فقط، بل للذود عن لغة الشعب التي أضحت مدنّسا غير مصان، ينتهك حرمتها كل من هبّ ودبّ، غير آبه بالردع والمنع، طالما أن قانون تعميم استعمالها معطل من دون قرار رسمي، ومسؤولو الدولة يتنافسون في إظهار الولاء للغة المستعمر القديم!.
هذا ما قاله الدكتور جمال ضو في ندوة "الشروق"
ألقى الدكتور والباحث جمال ضو، أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة الوادي، المهتم بشؤون التربية واللغات مداخلة له في ندوة "الشروق" التي نظمتها الثلاثاء الفارط، حول "واقع اللغة العربية في المدرسة الجزائرية" التي دعا فيها الفرانكفونيين إلى نزع قميص عقدة اللغة الفرنسية لأجل الأجيال القادمة، ورافع الدكتور من أجل اعتماد اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى في المنظومة التربوية الجزائرية، كونها أضحت مسيطرة على التكنولوجيا والاقتصاد والنقاشات السياسية، في كل المؤتمرات العالمية.
وتحدث الباحث جمال ضو، بتفاصيل دقيقة ومقنعة عن واقع اللغات في الجزائر، مؤكدا أن الإنجليزية باتت مطلبا شبابيا لا يمكن تجاوزه، مشيرا إلى أننا نعيش فوضى لغوية، وانعدام سياسة محكمة حول تعلم اللغات الأجنبية، في ظل احتلال اللغة الفرنسية موقعها كلغة أصلية بحجة تاريخية استعمارية.
ويرى جمال ضو، أننا نعيش في الجزائر "إرهابا لغويا حقيقيا"، وأن أبسط مثال على ذلك، هو فرض اللغة الفرنسية علينا من خلال فاتورة الماء والكهرباء والوثائق الإدارية، قبل أن يعقّب "حان الوقت لنحتكم إلى العقل، نحن نعيش تجاذبا بين العواطف والبعد التاريخي ومستقبل الأجيال"، مؤكدا أنه وقف على حقائق مؤسفة في المؤتمرات العالمية التي يحضرها مثقفون وسياسيون وممثلون للمجتمع المدني من الجزائريين، أين يصطدمون بـ"الإنجليزية" فينفردون في إحدى الزوايا باحثين عن من يتحدث الفرنسية أو عن الفرنسيين أنفسهم!
وبلغة الأرقام أثبت الباحث العالمي جمال ضو، أن تكريس الفرنسية في المدارس لا يتماشى مع تطور العالم، وأن كل الباحثين الجزائريين اصطدموا بالإنجليزية في مرحلة ما بعد التدرج، مشيرا إلى أن الكتب العالمية والبحوث تحتاج إلى عقود لكي تترجم من الإنجليزية إلى لغات أخرى.
وتساءل ذات المتحدث عن تعمد انتهاج اللغة الفرنسية في كل جوانب الحياة، خاصة من طرف المسؤولين في الوقت الذي استوعب فيه المواطن الجزائري البسيط أنها لم تعد لغة العصر والتكنولوجيا، وخلص النقاش بينه وبين عدد من نقابات التربية، إلى أن الفرنسية تعدت اللغة وباتت قضية ثقافية ومرضا نفسيا نقله "الحركى" والعاملون لدى"الكولون" وحتى بعض المجاهدين أنفسهم.
كان الباحث الجزائري الذي سجّل اسمه في الخارج بأحرف من ذهب، يعلم أنّ بعض بني جلدته يعانون من عقدة معاداة اللغة العربية، ومركّب النقص تجاه الإنجليزية، لكن لم يخطر على باله إطلاقا، أن تكلّفه الحرقة على لغته الأمّ في وطنه، الطرد من طائرة تابعة للخطوط الجزائرية!.
نعم هذا ما وقع بالضبط، حيث كان من المفترض أن يعود الرجل نهاية الأسبوع من الجزائر إلى الوادي، عند الساعة 10:15، على متن الرحلة رقم 6252، حيث صعد الدكتور جمال ضو الطائرة، لكن وبعد لحظات جاءته المضيفة، وبلغة فرنسية محضة، طلبت منه أن يغيّر مكانه، فما كان منه سوى الموافقة.
المشكلة لم تتوقف هنا، بل بدأت المأساة المهينة لعالم فيزياء لم تشفع له مرتبته العلمية والاجتماعية، حينما أقدم على تنبيه المضيفة لاستعمالها الفرنسية فقط، لأنها لم تنطق كلمة واحدة بالعربية أو الدارجة في حديثها مع المسافرين، فأخذ قصاصة قصيرة، وكتب عليها بالانجليزية الفقرة التالية: "ليس لك الحق أن تكلميني بالفرنسية، فهذه ليست لغتي...يمكنك أن تحديثي بالعربية أو الإنجليزية... عليك الاختيار"، وقد تعمّد توجيهها عبر الرسالة الورقية تفاديا لإحراجها أمام الركّاب.
أخذت المضيفة الورقة إلى قمرة القيادة، ليخرج قائد الطائرة بعد لحظات، ثم في حوالي عشر دقائق، جاء شرطيان يطلبان من البروفيسور ضو النزول ليتحدثوا إليه، فردّ عليهما: لماذا لا نتحدث هنا، فأصرّا على هبوطه لإتمام الكلام، حينها قرّر النزول إلى الأسفل، ليسألاه عن حقيبته، وبعد أخذ وردّ بين الطرفين، انزعج الدكتور ضو من التصرف معه، على أساس أنه لم يرتكب أي مخالفة، فصعد مرّة ثانية للطائرة، وقتها لحق به ثلاثة من أفراد الشرطة وأجبروه على المغادرة مجددا، بعدما هدّدوه بتحرير محضر عدم الامتثال، وأبلغوه أنهم ينفذون أوامر يجب تنفيذها!.
وعند أسفل الطائرة، التقى بقائدها الذي قال له حرفيا "أنه يرفض أن يقود الطائرة وهو فيها، لأنه يشكّل خطرا على سلامتها"، وعلّق عناصر الشرطة أنّ قائد الطائرة سيد قراره وهو حر، فردّ عليهم الضحية، أنّ الطائرة ليست طائرته بل طائرة كل الجزائريين، ورغم محاولة الشرطة لمدة قاربت 20 دقيقة، حلّ المسألة وديّا، فقد أصرّ قائد الطائرة على موقفه، لتحلّق من دونه بعدما تأخرت كثيرا عن موعد الإقلاع المحدّد.
بعد ذلك، اصطحبت الشرطة الباحث الفيزيائي إلى مقرها، وتم تحرير محضر إعلام، محتفظة بالورقة التي سلّمها للمضيفة، ووجّهته لاسترجاع التذكرة، لأنه لا توجد قضية أصلا، بدليل أنّ طاقم الطائرة رفض تقديم شكوى لوكيل الجمهورية، لإدراكهم عدم امتلاك أي قرينة إدانة في حق المسافر المحروم من الصعود بسبب الدفاع عن اللغة العربية!.
وهكذا منعت شركة الشعب "الجوية الجزائرية"، مواطنا جزائريا برتبة عالم فيزياء من ركوب طائرتها، لأنه تجرّأ فسمح لنفسه بالغيرة على اللغة الوطنية، مع أنه يتقن العديد من اللغات الأجنبية، أهمها الانجليزية والإيطالية والفرنسية، ويعرف أساسيات اللغة العبرية، لكنه ازداد تشبثا بانتمائه حينما انفتح على العالم الآخر عبر قاراته الخمس.
وقد أثّرت هذه الواقعة الغريبة في نفسية الباحث الجزائري، والتي لم يعرف لها مثيلا في حياته، وهو الذي تنقل عبر مطارات العالم، فقرّر رفع دعوى قضائية عاجلة ضد مسؤولي الشركة، مثلما توعّد بمتابعة القضية على كافة المستويات، ليس للدفاع عن حقوقه المعنوية فقط، بل للذود عن لغة الشعب التي أضحت مدنّسا غير مصان، ينتهك حرمتها كل من هبّ ودبّ، غير آبه بالردع والمنع، طالما أن قانون تعميم استعمالها معطل من دون قرار رسمي، ومسؤولو الدولة يتنافسون في إظهار الولاء للغة المستعمر القديم!.
هذا ما قاله الدكتور جمال ضو في ندوة "الشروق"
ألقى الدكتور والباحث جمال ضو، أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة الوادي، المهتم بشؤون التربية واللغات مداخلة له في ندوة "الشروق" التي نظمتها الثلاثاء الفارط، حول "واقع اللغة العربية في المدرسة الجزائرية" التي دعا فيها الفرانكفونيين إلى نزع قميص عقدة اللغة الفرنسية لأجل الأجيال القادمة، ورافع الدكتور من أجل اعتماد اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى في المنظومة التربوية الجزائرية، كونها أضحت مسيطرة على التكنولوجيا والاقتصاد والنقاشات السياسية، في كل المؤتمرات العالمية.
وتحدث الباحث جمال ضو، بتفاصيل دقيقة ومقنعة عن واقع اللغات في الجزائر، مؤكدا أن الإنجليزية باتت مطلبا شبابيا لا يمكن تجاوزه، مشيرا إلى أننا نعيش فوضى لغوية، وانعدام سياسة محكمة حول تعلم اللغات الأجنبية، في ظل احتلال اللغة الفرنسية موقعها كلغة أصلية بحجة تاريخية استعمارية.
ويرى جمال ضو، أننا نعيش في الجزائر "إرهابا لغويا حقيقيا"، وأن أبسط مثال على ذلك، هو فرض اللغة الفرنسية علينا من خلال فاتورة الماء والكهرباء والوثائق الإدارية، قبل أن يعقّب "حان الوقت لنحتكم إلى العقل، نحن نعيش تجاذبا بين العواطف والبعد التاريخي ومستقبل الأجيال"، مؤكدا أنه وقف على حقائق مؤسفة في المؤتمرات العالمية التي يحضرها مثقفون وسياسيون وممثلون للمجتمع المدني من الجزائريين، أين يصطدمون بـ"الإنجليزية" فينفردون في إحدى الزوايا باحثين عن من يتحدث الفرنسية أو عن الفرنسيين أنفسهم!
وبلغة الأرقام أثبت الباحث العالمي جمال ضو، أن تكريس الفرنسية في المدارس لا يتماشى مع تطور العالم، وأن كل الباحثين الجزائريين اصطدموا بالإنجليزية في مرحلة ما بعد التدرج، مشيرا إلى أن الكتب العالمية والبحوث تحتاج إلى عقود لكي تترجم من الإنجليزية إلى لغات أخرى.
وتساءل ذات المتحدث عن تعمد انتهاج اللغة الفرنسية في كل جوانب الحياة، خاصة من طرف المسؤولين في الوقت الذي استوعب فيه المواطن الجزائري البسيط أنها لم تعد لغة العصر والتكنولوجيا، وخلص النقاش بينه وبين عدد من نقابات التربية، إلى أن الفرنسية تعدت اللغة وباتت قضية ثقافية ومرضا نفسيا نقله "الحركى" والعاملون لدى"الكولون" وحتى بعض المجاهدين أنفسهم.
احتقار اساتذة الجامعات من الطالب الى الشرطي الى قائدالطائرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق