الجمعة، 7 أغسطس 2015

غزوات الرسول

السلام1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله منزل الكتاب، الحمد لله مجري السحاب، الحمد لله هازم الأحزاب، الحمد لله نصر عباده المؤمنين، وأعز جنده الموحدين، وهزم أحزاب الكفرة المجرمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، قائد المجاهدين، إمام الغر المحجلين، وعلى كل من حمل لواء الجهاد بعده من صحابته الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد...
فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"[1]، فكان قوله صلوات الله وسلامه عليه إيذاناً بمضي هذه الفريضة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، شاء من شاء وأبى من أبى، عزَّ من عز وذَلَّ من ذل. وكان أن أُهريقت الدماء في سبيل الله تعالى على صبرٍ ومشقةٍ حيناً، ثم دفعاً لمعتدٍ أثيم حيناً، ثم طلباًَ لمعاقل الكفر العالمي أينما حلَّت وفي أي زمانٍ أطلت، والأيام من بعد ذلك دول، فجهاد الطلب تارة، وجهاد الدفع تارة أخرى، والجند المجاهدون الموحدون المخلصون يتفيأون ظلال الجنة تحت سيوف الدفع حيناً، وسيوف الطلب حيناً، وهم في هذا وهذا غير آبهين بناعقٍ ولا مخذل، غير ملتفتين إلا إلى أمنية قائدهم وعظيمهم صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده، لوددت أني أُقتل في سبيل الله ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل"[2].
وإن غزوة غزة اليوم ما هي إلا امتداد لوعد الصادق المصدوق بمضي هذه الفريضة، وامتداد لوعد الصادقين المخلصين بإمضائها بإذن الله عز وجل وهو القائل سبحانه: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً)[3]، وإن المعاني الإيمانية التي تمثلها هذه الغزوة المباركة عظيمةٌ أصيلةٌ عظمةَ هذا الدين وأصالة هذه الدين، ولئن سماها القائد المجاهد إسماعيل هنية بمعركة الفرقان تيمناً بغزوة بدر الكبرى، فلقد كشف الله تعالى لنا مع مرور الأيام على هذه الغزوة أن من وراء بدرٍ أُحداً، وأن من وراء أُحدٍ الخندق، وإنا لنستشرف من وراء الخندق الفتح، وما ذلك على الله بعزيز. فلنعد إلى التاريخ القرآني الذي سطر لنا المبادئ الإيمانية والقواعد العقدية وروائع التربية المحمدية في هذه المحطات العظام ولنسقط هذه المعالم على غزوة غزة اليوم، لنعلم أن هذا الدين محشودٌ محفودٌ مخدومٌ محفوظٌ اليوم كما كان عهد النبوة، فلنتدبر :

أولاً: غزةُ بدر:
وهي التي سمى لأجلها فيما أحسب المجاهد إسماعيل هنية غزوة غزة بمعركة الفرقان، وقد كانت بدر الكبرى يوم الفرقان كما سماه الله عز وجل: (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)[4]، والجمعان هما جمع الكفار من قريش الذين عتوا عن أمر الله تعالى، وجمع الصحابة المؤمنين بقيادة خاتم المرسلين وتأييد جبريل الأمين بأمر رب العالمين؛ جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما تعدون أهل بدرٍ فيكم؟ قال:من أفضل المسلمين أو كلمةً نحوها، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة"[5]، ونحن نقول اليوم: إن أهل غزة من أفضل المسلمين اليوم، وهم تاج رؤوسنا، دونهم دماؤنا وأعراضنا وأموالنا، ففداكم نفسي أهل غزة.
وليس هذا المعلم الوحيد من معالم بدر في غزة اليوم، بل هناك أمر آخر أهم يتمثل في قوله تعالى: (وإذ يَعِدُكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يُحقَّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. لِيُحقَّ الحق ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون)[6]، لقد هيَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن حضر مِن الصحابة ليعترضوا عير قريش لا سعياً وراء مال وإبل وإنما انتصاراً لدولة الإسلام الفتية وفرضاً لهيبتها أمام قوى الكفر وفتَّاً في عضد الكفار، ولقد كان يمكن أن يتحقق ذلك كله بمجرد الظفر بالعير وتلك غير ذات الشوكة، ولكن الله تعالى أراد أمراً آخر، فكانت كلماته الكونية القاضية بذات الشوكة بما فيها من قتال وقتل وإراقة دماء لتتم كلماته الشرعية من الفرقان بين الحق والباطل إمعاناً في قطع دابر الكافرين وإرغاماً لأنوف المجرمين.
ولقد ودت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" غير ذات الشوكة بادئ الأمر فسعت في طريق الانتخابات والعمل السياسي باجتهاد مأجور إن شاء الله، ووصلت إلى السلطة وحملت راية الإسلام، وكان من الممكن أن ييسر الله تعالى لها أسباب الاستقرار، ولكن هيهات أن تقوم دولة الإسلام اليوم عن طريق شائب في أحسن أحواله قد يأتي غداً بحكومة علمانية كما جاء بالأمس بحكومة إسلامية، فكان لا بد من التمحيص، وكان لا بد من ذات الشوكة التي بدأت بالحصار الخانق والتشويه الإعلامي المغرض ووصلت إلى هذا العدوان الإجرامي الهمجي الذي أريقت فيه الدماء وتناثرت فيه الأشلاء وأهل غزة صامدون صابرون همهم همٌّ واحد: أن يُقطع دابر الكافرين، وأن ترتفع راية الإسلام وحدها ولو كره المجرمون، وهذه هي غزة بدر...

ثانياً: غزة أُحد:
جاءت غزوة أُحد فتنةً عظيمةً للمسلمين خلاصتها : الفتنة بنشوة الانتصار في بدر، والفتنة بموت القادة ولو ظناً، والفتنة بأهل النفاق. ولهذا كانت غزوة أُحد غزوةً مفصلية في تاريخ الإسلام، لأنها أعادت للمنتصرين في بدر توازنهم العقدي من خلال التأكيد على ثلاثة مبادئ: أولها أن النصر من عند الله وأن الخذلان بما كسبت أيدي الناس، قال تعالى: (أو لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)[7]، وثانيها أن قتل القادة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مدعاة للاستسلام البتة، قال تعالى: (وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)[8]، وثالثها أن أهل النفاق قد خالطوا أهل الإيمان فليكن المسلمون منهم على حذر لئلا تفضي بهم الفتنة إلى الفشل واللحوق بهم إلى دركات الجحيم، قال تعالى: (إذ همَّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون)[9].
وها هم أهل غزة اليوم يُبتلون بإراقة العدو دماءهم فلعل في ذلك جبران ما قد يكون من نقص في مرحلة أحوج ما تكون إلى الإخلاص الكامل، وليست هذه تهمة لإخواننا البتة، فمن منا البريء من النقص، ومن منا من لا يحتاج إلى تمحيص إخلاصه، ومن منا المعافى وقد ابتُلي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم ها هم أهل غزة يُبتلون بمقتل القيادات التي تشرفت بخوض المعركة مع الجند المجاهدين في الميدان تحت أزيز الطائرات ووقع القنابل لا في فنادق شرم الشيخ وأروقة الجامعة العربية الخائبة. فليتذكر كل مجاهد غيور أن مصابه اليوم باستشهاد أحد القادة مهما علت رتبته لن تكون في المصاب كنبأ مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُشيع، وليتذكر موقف أنس بن النضر رضي الله عنه حينها حيث قال لباقي الصحابة:"فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله"...
وها هم أهل غزة اليوم يعانون من الطابور الخامس من أهل النفاق في الداخل الدالين على عورات المجاهدين، وفي الخارج المتآمرين مع أعداء الأمة على جند الله المجاهدين، فليكن في مصاب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بذلك عوناً لأهل غزة على معاينة هذا الابتلاء، وليكونوا على حذر فلا تأخذهم في العملاء لومة لائم، أعني عملاء الداخل، أما عملاء الخارج فهم على موعد مع شعوبهم قريباً بإذن الله تعالى، (لا تدري لعل الله يُحدث بعد لك أمراً)[10]

ثالثاً: غزة الخندق:
وهنا تبرز الصورة الحسية والمعنوية لغزوة غزة المباركة، حيث تقرأ تصوير القرآن الكريم لمشهد الزلزال الشديد في غزوة الخندق وكأنه يتنزل على المؤمنين في غزة اليوم، حيث قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً. إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتُلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً. وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً)[11].
وإن غزوة الخندق تمثل أنموذجاً بديعاً من نماذج النصر المعنوي، يقول الشيخ المباركفوري:"إن معركة الخندق لم تكن معركة خسائر، بل كانت معركة أعصاب، لم يجرِ فيها قتالٌ مرير، إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام، تمخضت عن تخاذل المشركين، وأفادت أن أية قوة من قوات العرب لا تستطيع استئصال القوة الصغيرة التي تنمو في المدينة، لأن العرب لم تكن تستطيع أن تأتي بجمعٍ أقوى مما أتت به في الأحزاب، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى الله الأحزاب:"الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم"[12] "[13].
وأقول: إن غزوة غزة اليوم هي معركة بين المسلمين واليهود المجرمين تقوم على أرض فلسطين تحت راية إسلامية بعقيدة إسلامية، وبصناعة حربية إسلامية، وحرب إعلامية إسلامية، وعزيمة إسلامية، وإنها معركة مفصلية في التاريخ المعاصر لأنها المعركة التي صمد فيها بفضل الله تعالى الجند المؤمنون الموحدون فوق ثلاثة أسابيع إلى الآن أمام جيش الكفر الذي هزم ثلاثة جيوش عربية قومية علمانية الراية في ستة أيام، ولأنها المعركة التي كفر فيها يهود اليوم بالسبت حيث بدأوا فيه القتال بعدوانهم المشؤوم في حين آمن المؤمنون بالنصر من عند الله ولم يلتفتوا لتخذيل المخذلين وإرجاف المرجفين، فزاد في هذه الغزوة كفر الكافرين وخذلانهم وإيمان المؤمنين ونصر الله لهم، حتى إني والله لكأني أسمع المجاهدين في غزة بل في العالم الإسلامي كله يقولون بعد جلاء غمامة هذه الحرب: اليوم نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم. نعم يا أحفاد القرود والخنازير، الحرب القادمة نحن نسير إليكم...

رابعاً: غزة يوم الفتح:
عندما نزل قول الله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)[14] لم يفهمها كثير من المسلمين، كيف يكون الفتح وقد صُدوا عن المسجد الحرام، ولكنه كان فتحاً محققاً لأن الخبر خبر الله تعالى: (لقد صدق الله رسولَه الرؤيا بالحق لتَدخُلُنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين مُحلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً)[15].
وإن غزوة غزة اليوم فتحٌ عظيم فهمه من فهمه وجهله من جهله، لا نقولها مبالغةً ولا نقولها حسن ظنٍ بأنفسنا نحن المسلمين، ولا نقولها مدحاً وإطراءً لإخواننا المجاهدين، ولكننا نقولها حسن ظنٍ بالله سبحانه وتعالى، وتصديقاً بوعده، واستشرافاً لفضله تعالى، وحسبنا في تأكيد هذا الوعد والأخذ بأسبابه قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم.الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشَوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)[16]
فامضوا أهل غزة، امضوا كما مضى أهل بدر لا يبالي الله تعالى ما فعلوا بعد بدر، وانثروا أشلاءكم على درب الشهادة كما نثرها أهل أُحد، وأوقدوا في ليالي البرد والظلام الحالك مدافئ الإيمان كما أوقدها أهل الخندق، وانتظروا الفتح كما انتظر أهل الحديبية فتح مكة، فليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله، وإن الموعد الجنة، فطوبى لكم...


غزوات الرسول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق