السبت، 25 يناير 2014

الكفر بالنعم

الكفر بالنعم

الكفر أنواع ، ومنه الكفر بالنعم ، لقد فكرت في كتابة هذا الموضوع ، لأني شاهدت الجميع يتساءل عن سر السعادة التي كنا نعيشها في زمن لا يوجد فيه غاز المدينة ولا حنفيات المياه ولا الهاتف ولا التلفاز ولا الثلاجة ، ولا أتحدث عن الهاتف المحمول ولا عن الانترنت ولا عن الأجهزة المتطورة والمتوفرة في جل البيوت كأجهزة الاستقبال وشاشات التلفاز والكمبيوتر و...، واليوم كل هذه النعم متوفرة لعامة الناس ، لكن كل ما اقتربت منا هاته النعم أفقدتنا لذة السعادة ، نعم ، من حقهم السؤال ، لان السؤال في حد ذاته نوع من التدبر ، والذي يتدبر هو الذي يسأل ومن يسال يتعلم ، ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون .

أولا إن الدنيا جنة الكافر ، فهذه النعم الدنيوية هي في الأصل لذة للكافر وابتلاء للمؤمن ، وما دمنا نحن مؤمنين مسلمين فإننا لا نستطيع التوفيق كي جمع السعادة والخوف في قلب واحد ، فالمسلم قد يفرح بملابس وأطعمة ومساكن وسيارات فاخرة و ...لكن الخوف ينتابه عند تذكر الحساب يوم القيامة ، وهو في كل مرة يتأمل في الموت التي تأخذ الكبار والصغار، المرضى والأصحاء ، الضعفاء والأقوياء ...فالعاقل لا يأمن الموت ولا يأمن الدنيا التي غدرت بوالديه وبأبنائه وأهله وعشيرته وأحبابه وأصدقائه وجيرانه وخدمه و ... ، فهو يعيش الخوف والقلق لأنه يخاف من حساب الله ، عكس الكافر والمنافق الذي يطمأن للدنيا وملذاتها ولا يفكر إطلاقا أو لا يخاف أصلا يوم لقاء ربه ، عندما نزلت سورة التكاثر وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله ثم لتسألن يومئذ عن النعيم لزمه المرض أياما ، حتى عاده الصحابة رضوان الله عليهم في بيته ، فماهي النعم التي كان الناس يعيشها قبل أكثر من أربعة عشر قرنا حتى أفزعت عمر بن الخطاب ، وخاف ربه لأنه سوف يسأل عنها ، فما نحن فاعلون أمام هاته النعم ، أحيانا اسمع من القليل قولهم العامي الخاطئ إننا في ستين نعمة ، والله عزوجل يقول وان تعدوا نعم الله لا تحصوها ، فلا نستطيع إحصاء النعم التي أنعمنا الله إياها.

أحبائي في زمن سابق كنا نأكل الطعام الواحد فصلا كاملا ، إلى درجة انك تمشي حيا كاملا تجد نفس الطعام في كل البيوت ، واليوم عندما تدخل سوق الخضر تجد كل الخيرات وفي كل الفصول .

نعم أنا من الذين يقولون إن النعم موجودة لكن هناك من لا دخل له وليس بوسعه شراء ولو حبة طماطم ، لكن العاقل يتذكر أن الرسل والأنبياء وأصحابهم وأولياء الله ، عانوا أكثر منا ربما بآلاف الأضعاف ، هذا هو ثمن الجنة ، فالجنة سلعة الله ، وسلعة الله غالية ، سال رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ، وعلينا الاقتداء بخير وأحب خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يشبع من خبز الشعير ولا الرديء من التمر .

ثم إن الله سبحانه انعم علينا بأعظم النعم ألا وهي نعمة الإسلام ، والتي اصطفانا بها وحرم منها الكثير من خلقه ، إن العالم اليوم به حوالي سبعة ملايير ساكن والمسلمين هم خمس هذا العدد أي حوالي مليار ونصف ، أفلا تعقلون .

إننا نكافئ الذي يصنع لنا معروفا ، وقد نكافئ الذي يبتسم لنا فقط ، فكيف تقابل ربك وقد نجاك من الكفر وجهنم ، وهداك إلى الإسلام والجنة ، لما اشتد مكر الكفار برسول الله وطلبوا منه المعجزات كالتي أعطاها الرسل من قبله ، ضاقت بنبينا الكريم اليتيم الفقير محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا ، وأكرمه الله بعد صبره على كفار قريش ، وعلى انقطاع الوحي ، بمعجزة الإسراء والمعراج ، والتي عرج فيها سيدنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى ، وتقدم إلى مكان لم يصل إليه الروح الأمين جبريل عليه الصلاة والسلام ، بعدها ذكره الله عزوجل بنعمة الهداية في سورة الضحى ** ووجدك ضالا فهدى " ، ثم أرضى الله حبيبه صلى الله عليه وسلم حين قال له في نفس السورة " ولسوف يعطيك ربك فترضى "، وقال صلى الله عليه وسلم يا رب لن أرضى وواحد من أمتي في النار .

إن العبد التقي يقابل نعم ربه بالشكر، لقد عرفت الجزائر أيام الشاذلي بن جديد رخاءا لم تعرفه من قبل ، حتى شاهدنا القناطير من الدقيق مرمية في القمامات ، وكانت أسواق الفلاح والأروقة الجزائرية ممتلئة بكل الخيرات ، وبكل المنتوجات العالمية ، من أجهزة الكترونية ومنزلية وغيرها ، لكن اقسم لكم أني سمعت الناس يدعون في يوم عيد النحر وهو أفضل الأيام في السنة وفيه الدعاء مستجاب ، يدعون على الجزائر بالدمار يقولون بالعامية "العقوبة للداير وتخلا الدزاير" ، أهكذا نقابل النعم ، لكن ما لبثنا حتى ابتلانا الله بدعاء الكثير ، ومرت الجزائر بعشرية دمرت وأحرقت الأخضر واليابس .

لكننا ندمنا وتضرعنا إلى الله بالدعاء ، فعاد الأمن بفضل الله ، ثم بفضل حكمة الرجال المخلصين من العلماء و السياسيين و قوات الجيش ورجال الدرك والشرطة والمقاومة والحرس البلدي ...وكل من ساهم في إطفاء نار الفتنة .

ذاك الوقت كان كل العالم بأسره يشاهد الجزائر تحترق وكان قادة الإخوان المسلمين ، يصبون البنزين بالفتاوي التي تجيز الخروج عن الحكام ، لكنهم لم يتعضوا ولم يشكروا الله على العافية ، وأصابهم الذي أصابنا ، فهل يحتاج الإنسان منا إلى حرق نفسه أو حرق أخيه كي يعرف خطورة النار ، وها نحن نشاهد ما كانوا يشاهدون ، فيجب الحفاظ على النعم بالشكر والعبادة ، يقول الله عزوجل ** فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ** ، ولا نملك سوى الدعاء لإخواننا ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام **مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، نسال الله العافية والسلامة لنا وللأمة الإسلامية جمعاء ، اللهم ارفع عنا وعنهم الفتن ما ظهر منها وما بطن .

لقد انعم الله على بني إسرائيل بكل النعم ، ورزقهم من ثمار الجنة ، وفضلهم على العالمين ، لكن قابلوا تلك النعم بالكفر والجحود ، ووصل بهم الأمر إلى طلب الأدنى من ذلك يقول الله عزوجل ** وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها " وعجب موسى عليه الصلاة والسلام لطلبهم ، كيف يملون من المن والسلوى ، ويريدون الثوم والعدس ، ثم قال عزوجل ** قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير**

أخير جواب للسؤال الذي يطرحه العامة في بحثهم للعيش الكريم و سعادة الدارين هو في قوله عز و جل " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " إن الفرق بيننا وبين من سبقونا ، هو في معرفتهم لقيمة النعم فشكروا الله وطلبوا العافية والسلامة فقط ، لذلك عاشوا اسعد منا ، أما نحن فنطلب الكثير من متاع الدنيا وملذاتها ، لكننا لا نعرف القناعة التي عرفها السابقون فالسر يكمن هنا ، و لمن أراد العكس فيقول الله عزو جل " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .

مسعد يوم : 25/01/2014 خنيش علي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق