الخميس، 9 يناير 2014

من يريد بوادي مزاب (الجزائر) سوء دمره الله

[size="5"]

منطقة مزاب، التي تنتمي إلى الأغلبية الصامتة، لم يعرف الإرهاب كيف يتسلل إليها أيام سنوات الجمر، رغم أن أهلها

دفعوا ضربية باهظة. واليوم يسعى مؤججوا الفتن إلى زعزعة أمن قرى هذا الوادي. فلحساب من وعلى حساب من ؟



الكل يعلم من هي الفئة الباغية، لكن لماذا يصر البعض -بدعوى الصلح- على وضع الطائفتين في نفس الكفة. يكفي أن نعلم أن جميع الضحايا التي سقطت في هذه الاحداث هم من بني مزاب الاباضية. وكان بإمكان هؤلاء أن يثأروا ردا للإعتداء، لكنهم أحرص الناس على حياة الفرد ولو كان غير مسلم. فلا شيئ يردعهم غير إيمانهم العميق أن حفظ النفس مبدأ مقدس عند كل مؤمن. ولم يجد التطرف يوما سبيلا إلى قاموسهم اليومي. بل يكفي أن نعلم أن أكبر إرهابي دولي عرفه التاريخ والذي لا يزال يعيث في الارض فسادا إنما خرج من صلب أولائك البغاة، وهو المدعو "مختار بلمختار".



لقد كانت الدولةرستمية مثالا في التسامح بين المذاهب والديانات. ولقد شهد بذلك ابن الصغير المالكي الذي عاش في ظلال تلك الدولة. وما كان إباضية اليوم ليزيغوا عن هذه الركيزة الإيمانية. ولنا في سلطنة عمان نموذج حي في التعايش بين المذاهب.



لكن إلى متى ؟ منذ الاستقلال والميزابيون يعانون التهميش في عقر دارهم. والميزابي لم يكن يوما عالة على السلطة، ولقد ترفع عن المطالبة ولو بأدني حقوقه.



لقد أظهرت السلطات الجزائرية مرة أخرى عجزها في معالجة هذه ألاحداث المأسوية. وكانت الحصيلة ثقيلة. أعوان بالزي الرسمي يشاركون في النهب والسرقة و الصراع ضد الميزابيين، كما تشهد على ذلك الاشرطة المسجلة ولقد صودرت معظمها واعتقل أصاحبها بدل الإسراع للقيام بالتحقيقات. كل هذا يحدث أمام صمت الطبقة السياسية.



خطورة الوضع تزداد عندما يمسك بالقلم ويكتب وينشر التضليل على أنه حقيقة مثلما ظهر من كتابات تاريخية حاقدة، وأُشربوا في قلوبهم الغل. منذ شهور وصحافة المراحيض تصطاد في المياه العكرة. ولقد ساهمت بعض الصحف العربية الدنيئة في نفث خبثها وسمومها لإذكاء نار الفتنة بنية مبيتة وبالتحالف مع قوى الشر والفساد. صحافة إذا تحدثت تنفست الكذب والبهتان، صحافة تقتات بالإشاعة والقذف. إنه وباء الحقد والجهل.



وباء الجهل ـ مسلحا بالكذب والتضليل ـ امتد من الاعلام الرسمى الى الكتابات التاريخية المغرضة التي تفتقد إلى أدنى الضوابط العلمية، مرورا بصحافة المراحيض. تزداد المشكلة وتستعصى على الحل حين يحصل الجاهل على درجات علمية، فيتحول جهله الى ما يشبه العلم. هذه هى صناعة الجهل، كما يقول أحد الكتاب، وهى صناعة عتيدة فى العالم العربى تقوم على رعايتها وزارات الثقافة والتعليم والاعلام و التربية بجميع قياداتها. فى هذه البيئة التى تحترف الجهل المسلح بالكذب، وفى هذا المناخ الفاسد نشأ و ترعرع شباب من الصحفيين وأشباه الكتاب والمؤلفين. نشأوا فى هذه البيئة التى تحترف الافتراء وتقدس الأكاذيب والإشاعات ولا ترى فيها خزيا. ولم يتعلموا شرف الكلمة المكتوبة وقول الحق والصدق. "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".



صحافة لا تبحث إلا عن الرواج والإثارة و قلب الحقائق. صحفيون يوظفون المعلومات الميدانية حسب أغراضهم الدنيئة و يتفننون في طمس الحقائق. لماذا تتعمد هذه الصحافة عدم التطرق إلى صميم الأزمة للحديث عن ملفات الفساد ؟ ولماذا لا تشير صراحة إلى الفئة الباغية من هؤلاء الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.



لو كانت العدالة مثالا في الصرامة فيما سبق من أحداث في الولاية، مثل التي وقعت سنة 1985 أوسنة 1990 والتي راح ضحيتها إباضية أبرياء، لما تكررت هذه المأساة. وأولائك المجرمون الذين نكلوا بالضاحايا ومثلوا بهم هم اليوم يتنعمون في الطبيعة ولا شي يقض مضاجعهم. فلو قامت العدالة حينها بالإقتصاص من الجناة لأنقذت نفوسا أخرى، والله تعالى يقول "ولكم في القصاص حياة". للعلم فلقد قام بالدفاع عنهم سنة 1985 المسمى علي بن فليس.



لكن، وفي نفس الوقت يزج بأبرياء في السجون، ومنهم من صدر في حقه الإعدام ظلما وعدوانا. مثل قضية السيد بابانجار الميزابي والذي لا يزال يعلن براءته من غياهب السجن. والغرض من ذلك كله هو تأليب الأوضاع على حركات الإحتجاج وعلى أحزاب المعارضة. فكانت نتيجة هذه التجاوزات الخطيرة : مجرمون في الطبيعة وأبرياء في الزنزانة. وهذا التطرف لا يعبر إلا عن وجه آخر للإستعمار في ممارسة إرهاب السلطة. وكأني بخطبة زياد تسري في عروقهم " إني أقسم بالله لآخذن المقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم حتى يقول قائلكم أنجو سعد فقد هلك سعيد."



والمشكل في هؤلاء المخربين من أعراب بني هلال، أنهم كلما أرادوا أن يعبروا عن مأساتهم التي يعاني منها كل جزائري، إلا وجدوا متنفسهم في كل ما هو مزابي، بدل التعبير عن سخطهم ضد الدولة، فيعيثون فسادا حسدا من عند أنفسهم. وعندما يشبعون نهمهم تتعالى أصوات للمصالحة. ... عفا الله عما سلف، ثم سرعان ما يعودون إلى جاهليتهم وطبعهم.


أي صلح ؟ تخيل شخصا يباغتك فيعتدي عليك ظلما وعدوانا، لكن بمجرد أن تقوم بالدفاع عن نفسك تصبح في قفص الاتهام، فتكونان سواء. وهذه السياسة القمعية التي لاتفرق بين الجاني والبرئ والظالم والمظلوم (بل وتحمي الظالم والجاني)، هذه السياسة لا يقابلها إلا التطرف وسيكون دخول السجن حينها شرف لصاحبه.



عندما يريد الشارع الجزائري أن يعبر عن سخطه والتنفيس عن غصصه فإنه يستهدف مؤسسات الدولة ورموزها. ولكن مزاب تختلف عن ذلك، فالميزابيون هم الذين يتكبدون الخسائر وكأنهم هم من سبب في وضعية الثائرين المزرية.



لقد تعلم المزابيون، وبفضل هياكلهم الإجتماعية العريقة، كيف يعتمدون على أنفسهم، وأخذوا على عاتقهم التكفل بمحتاجيهم والتضامن مع المساكين والمعوزين للرفع من مستواهم المعيشي. وهذه الحالة الإستثنائية في الجزائر لم تكن لتروق للبعض، فأصبحوا يتربصون بأولائك المزابيين حسدا من عند أنفسهم. وهذا العنصر أوهذه الوضعية يستغلها أصحاب النفوذ كلما شعروا بخطر ضدهم لتضليل الرأي العام ولحماية مصالحهم. وعندما يهم لوبي الفساد بتأليب الأوضاع، فالعنصر الديني أو المذهبي وحده كفيل لتحريك الشارع، لتبرير سفك الدماء وانتهاك الحرمات.


وشتان بين المجتمعين. كيف نُسوّي بين مجتمع ضارب بحضارته أعماق الصحراء، أخرج لنا علماء فطاحل عبر العصور، وبين أجلاف جهلة، حفدة قطاع الطرق والذين كانوا وفي الامس القريب يسكنون الخيم. مثالب تسري في العروق. عندما يلقن هؤلاء القوم ويغرس في نفوسهم أن من قال لاإلاه إلا الله دخل الجنة وإن سرق ونهب وقتل وهتك العرض، وأن الرسول سيشفع لك مهما فعلت .. و ..و ... كيف يمكن لمثل هذه النصوص أن تنتج إنسانا سويا ؟ ليس في قلبي ذرة من التعصب، لكنه الواقع المشؤوم.



جاءت أحداث بريان في أعقاب الاستعداد للعهدة الثالثة، ولعل هذه الاحداث هي دعوة أخرى للنداء بالعهدة الرابعة ... شخصيا أنا لا أومن بالصدف. إنها المتاجرة بالفتنة، إنهم سماسرتها.



كل عام وأنتم بخير، جعله الله لنا عام أمن وعافية ورد كيد الظالمين.



والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم.

منقول

بقلم يوسف عادل (باحث جزائري)لافادة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق