السبت، 29 أغسطس 2015

شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: " وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل


شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها "

معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ
قال: " وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " " سكت عن أشياء ": يعني: أن الله سكت، وهذا السكوت الذي وصف الله -جل وعلا -به ليس هو السكوت المقابل للكلام، يقال: تكلم وسكت، وإنما هذا سكوت يقابل به إظهار الحكم، فالله -جل وعلا -سكت عن التحريم، بمعنى لم يحرم، لم يظهر لنا أن هذا حرام، فالسكوت هنا من قبيل الحكم، سكوت عن الحكم، ليس سكوتا عن الكلام، فغلط على هذا من قال: إن هذه الكلمة يستدل بها على إثبات صفة السكوت لله -جل وعلا -، وهذا مما لم يأت في نصوص السلف في الصفات، وهذا الحديث وأمثاله لا يدل على أن السكوت صفة؛ لأن السكوت قسمان:
سكوت عن الكلام، وهذا لا يوصف الله -جل وعلا -به، بل يوصف الله -سبحانه وتعالى- بأنه متكلم، ويتكلم كيف شاء، وإذا شاء، متى شاء، وأما صفة السكوت عن الكلام، فهذه لم تأت في الكتاب ولا في السنة، فنقف على ما وقفنا عليه، يعني: على ما أوقفنا الشارع عليه، فلا نتعدى ذلك.
والقسم الثاني: من السكوت، السكوت عن إظهار الحكم، أو عن إظهار الخبر وأشباه ذلك، فلو فرض -مثلا- أن أنا أمامكم الآن، وأتكلم باسترسال، سكت عن أشياء، وأنا مسترسل في الكلام، بمعنى أني لم أظهر لكم أشياء أعلمها، تتعلق بالأحاديث التي نشرحها، وسكوتي في أثناء الشرح عن أشياء لم أظهرها لكم، أوصف فيه بالسكوت؟فتقول -مثلا-: فلان سكت في شرحه عن أشياء كثيرة، لم يبدها لأجل أن المقام لا يتسع لها، مع أني متواصل الكلام، فإذاً لا يدل السكوت، يعني: في هذا، يعني: السكوت عن إظهار الحكم عن السكوت الذي هو صفة، والله -جل وعلا -له المثل الأعلى، فنصفه بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.لا نتجاوز القرآن والحديث، فنصفه بالكلام، ولا نصفه بالسكوت الذي هو يقابل به الكلام، وإنما يجوز أن تقول: إن الله -جل وعلا -سكت عن أشياء، بمعنى لم يظهر لنا حكمها، إذا تقرر هذا من جهة البحث العقدي، فنرجع إلى قوله: " سكت عن أشياء " بما يدل على أن هذه الأشياء قليلة.
رحمة بكم، أو رحمة لكم غير نسيان السكوت بعدم إظهار بعض أحكام القضايا، رحمة لا نسيان، والله -جل وعلا -ليس بنسي، كما قال -سبحانه-: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) فالله -سبحانه- ليس بذي نسيان، بل هو الحفيظ العليم الكامل في صفاته وأسمائه، سبحانه وتعالى، وجل وتقدس ربنا.
فإذا هناك أشياء لم يبين لنا حكمها، فالسكوت عنها رحمة غير نسيان، أمرنا -عليه الصلاة والسلام- ألا نبحث عنها فقال: " فلا تبحثوا عنها ".
إذا تقرر هذا، فالأشياء المسكوت عنها أنواع:
النوع الأول: ما لم يأت التنصيص عليه من المسائل، لكنها داخلة في عموم نصوص الكتاب والسنة، داخلة في العموم، داخلة في الإطلاق، وداخلة في مفهوم الموافقة، أو مفهوم المخالفة، أو في المنطوق، أو أشباه ذلك، مما هو من مقتضيات علم أصول الفقه.
فهذا النوع، مما دلت عليه النصوص بنوع من أنواع الدلالات المعروفة في أصول الفقه، هذا لا يقال عنه: إنه مسكوت عنه؛ لأن الشريعة جاءت ببيان الأحكام من أدلتها بالكتاب والسنة، بأنواع الدلالات، فهذا النوع لا يصح أن يقال: إنه مسكوت عنه؛ ولهذا العلماء أدخلوا أشياء حدثت في عمومات النصوص، ففهموا منها الحكم، أو في الإطلاق، أو في المفهوم وأشباه ذلك، وإذا أردنا أن نسرد الأمثلة، فهي كثيرة يضيق المقام عنها تراجعونها في المطولات.
النوع الثاني: أشياء مسكوت عنها، لكن داخلة ضمن الأقيسة، يعني: يمكن أن يقاس المسكوت عنه على المنصوص عليه، وقد ذهب جمهور علماء الأمة إلى القول بالقياس، إذا كانت العلة واضحة، اجتمعت فيها الشروط، ومنصوصا عليها، فإذا كان القياس صحيحا، فإن المسألة لا تعد مسكوتا عنها.
الحالة الثالثة: أن تكون المسألة مسكوتا عنها، بمعنى أنه لا يظهر إدخالها ضمن دليل، فكانت في عهده -عليه الصلاة والسلام- هذا نوع، ولم ينص على حكمها، ولم تدخل ضمن دليل عام، فسكت عنها، فهذا يدل أنها على الإباحة؛ لأن الإيجاب أو التحريم نقل عن الأصل، فالأصل أن لا تكليف، ثم جاء التكليف بنقل أشياء عن الأصل، فلا بد للوجوب من دليل، ولا بد للتحريم من دليل، فما سكت عنه، فلا نعلم له دليلا من النص، من الكتاب والسنة، ولا يدخل في العمومات، وليس له قياس، فهذا يدل على أنه ليس بواجب، ولا يجوز البحث عنه، ولهذا أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام - على من سأله عن الحج فقال الرجل: يا رسول الله، أفي كل عام ؟ هذه مسألة مسكوت عنها، وتوجه الخطاب للرجل بألا يبحث عن هذا، فسكت عن وجوب الحج، هل يتكرر أم لا يتكرر؟ والأصل أنه يحصل الامتثال بفعله مرة واحدة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: " لو قلت: نعم؛ لوجبت. زروني ما تركتكم " يعني: إذا تركت البيان، فاسكتوا عن ذلك، قد ثبت في صحيح مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " إن أشد المسلمين -في المسلمين- جرما رجل سأل عن شيء، فحرم لأجل مسألته ".
قد قال -جل وعلا -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ) فإذا هذا النوع مما سكت عنه، فلا يسوغ لنا أن نبحث، ونتكلف الدليل عليها، تلحظ -أحيانا- من بعض الأدلة التي يقيمها بعض أهل العلم أن فيها تكلفا للاستدلال لحكم المسألة، فإذا كان الدليل لا يدخل فيها بوضوح، فإنها تبقى علي الأصل.
وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها وهذا من رحمة الله - جل وعلا -بعباده.
المصدر:
شرح الأربعين النووية
معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ


شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: " وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق