الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

طاولة عشاء

ذاك اليوم،سألني الشخص الذي يرافقني سؤالا ابلها كالبلاهة التي اصابتني حين اخترت تلك الرفقة :[H][/H]
ما هو اكثر شيء تشتاقين اليه في المنزل؟ (يقصد قبل الزواج:D ) ،لم اتردد في الاجابة لحظة وقلتها بصوت مليء بالسآمة :" طاولة العشاء" ،لن انسى ابدا منظر وجهه وقد تجمدت تقاسيمه وعلاه الوجوم قبل ان تفتر شفتاه بابتسامة باهتة وينطق كأنه مازال يحاول استيعاب ردي: اجل ومن لا يشتاق لطعام والدته ...فذوقه المميز لا يفسره الا بركة يدها "حقيقة لم اكلف نفسي شرح مقصودي له فداء الحمق لدى هؤلاء لا يعالجه الا الصمت(ولا تلوموني فانا اعرف منه ما لا تعرفون:mad:)،بل غرقت في التفكير بما قلت: ممم...."طااولة العشاء"،طبعا لم اكن اعني ما فهمه نابغة زمانه :)...فما اردت ابعد بكثير.
فطاولة العشاء ترمز الى الشيء ذي الاثر الاكبر على حياتي ،فهي المكان الوحيد الذي يجمع افراد العائلة كلهم ...ولكن ليس هذا ما يهمني بل ما يتمخض عنه هذا الاجتماع ..فمذ ادركت معنى "الكينونة "في الحياة وانا شاهد على ذاك الحدث اليومي : كل شيء يبدأ بكلمة ثم فكرة لينتهي الامر بنقاش ساخن قد يتحول بعدها الى ملاسنات تؤدي الى طرد كل الى غرفته او بفرض حظر على الكلام .
كل مساء تتحول طاولة العشاء الى حلبة صراع للافكار المتضاربة وفي نفس الوقت جسرا نتواصل عبره ونتبادل المعلومات المختلفة باختلاف المواضيع: علوم ،تاريخ،ادب ،دين ...واكيد للسياسة والرياضة حضور..وبالرغم من انها تصبح في احيان كثيرة جدالا الا انها لم تكن ابدا عقيما اولغوا لا طائل من ورائه بل تخضع لقوانين صارمة ...فلا شيء بدون دليل او منطق والويل لمن لا ياتي بهما ...فالحكم قاس وسمة سيئة ستلاحقه لردح من الزمن:sdf:
خلال سنوات حياتي تلك تعلمت منها ما لم اتعلمه من اي مكان فهناك كانت تتركز خلاصة المعرفة لاسرتنا ..ولكم ان تتخيلوا كم كانت ستأخذ من الوقت والجهد لو رغبت في تحصيلها بنفسي ..ولكن لحسن حظي كنت انالها على طبق من ذهب الى جانب صحن الطعام..:D.....سنوات مرت ،كبرت واخذت انا ايضا موقعي كواحد من عرابي تلك النقاشات ( هذا يعني اني حصلت على نصيبي من الطرد والعتاب:1:) افدت خلالها واستفدت ...لذا هي اكثر ما اشتاق اليه لانها كانت منبعا للمعرفة بالنسبة لي
وهدفي من هذا السرد الممل ليس رواية تفصيلات حياتي بل لفت النظر لشيء اهم وهو:
كيفية تحويل اكتساب المعرفة الى جزء من روتيننا اليومي ...بدل قصرها على اوقات و اماكن محددة كالمدارس...الخ والرقي بالحوار داخل الاسرة الى مستوى بعيد عن السفاسف ولغو الحديث.
ادرك اليوم اكثر من اي وقت مضى قيمة تلك النقاشات وانعكاساتها على افراد العائلة خاصة الاطفال منهم فهي تغذي فيهم حب المعرفة والاستطلاع .وتمنحهم رصيدا ثقافيا معتبرا وتضعهم على اسس ثابتة تقوم على الدليل ليبنوا عليها معارفهم بدل الاكتفاء بدور المتلقي ،كماتعطيهم الثقة بانفسهم وبامكاناتهم واخيرا تشجع لغة الحوار وتقوي الروابط داخل الاسرة نفسها وهذا اجده عندما يقبل اخي الاكبر بالنقد اللاذع واللسان السليط لاختي الصغرى التي يفوقها سنا بما يقارب العقدين دونما باس



طاولة عشاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق