بسم الله الرحمن الرحيم
« الباحث سعيد جاب الخير لأسبوعية « المحور »: »المؤسسات الدينية اخترقها الوهابيون وجامعاتنا تروج للإرهاب
سعيد جاب الخير صحفي إعلامي متخرج من كلية الشريعة وأصول الدين واشتغل في الصحافة وأول مساهمة صحفية له كانت في الأعداد المئة الأولى ليومية الخبر سنة 1990، حيث كتب في الفكر النقدي الديني تحت عنوان « أزمة العالم المعاصر » قراءة في فكر روني غينون، وهو لا يزال في مجال البحث العلمي. ساهم في عدة جرائد أخرى كالمسار المغاربي وأسبوعية الحدث و ابتداء من سنة 2000 امتهن العمل الإعلامي حيث وظف بجريدة « الفجر » عند انطلاقتها، دون أن ينقطع عن البحث العلمي. يصدر له عن قريب كتاب في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية بعنوان « الطرق الصوفية في الجزائر » كما أن له إصدارا بمصر 2007 عن مركز المحروسة تحت عنوان « التصوف والإبداع ».
حاوره : يوسف نكاع
عندما علم أحد الزملاء أن لي معك حوارا قال لي عليه اللعنة كيف ترد عليه ؟
الله يهديه وأنا لا أرد على الذين يتبعون أساليب اللعن والإقصاء في الكلام لأني أرد على من يتكلم بالعلم و يناقش أما من يكفر ويلعن فلا أرد عليه وأطلب له الهداية.
لماذا تشترط على كل من يحاول أن يحاورك أن يطلع على الكتب والأبحاث وأن يغوص في المجلدات
الخ.. ؟
هنالك مستويات من الحوار، أنا أشترط الحد الأدنى من المعرفة حتى يمكن أن يكون ثمة حوار حقيقي ولكي لا أضطر إلى سماع كلام خارج عن الموضوع أو معلومات غير صحيحة، وهذه المسألة من أبرز مشاكل الإعلام في الجزائر.
ولكن أحيانا يكونون مجرد أناس عادين يحبون أن يستوضحوا بعض الأمور ؟
من يريد أن يستوضح بعض الأفكار مرحبا به ولا ضرر في ذلك ولكن أن يحاول البعض أن يجادلوا في برنامج الجامعة وهم لا يزالون في المستوى الابتدائي أو الإعدادي فذلك هو المشكل. كما أن البعض يصر على أن يفرض رأيه و يجادل في اختصاص غير اختصاصه وهو لا يملك المعلومات الكافية حول الموضوع وأكثر من ذلك : يرفض البحث والاطلاع.
لقد تابعت عدة محاضرات لك وقرأت حوالي ألفي تعليق ولم أجد ولو لمرة أنك وافقت على رأي طرح مقابل آرائك ألا تعتبر هذا عنادا ؟
بالعكس، أنا أقبل الآراء النيرة وأشكر أصحابها وأمتثل بقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه : رحم الله رجلا أهدى إلي عيوبي.
ما هي الأسباب التي جعلتك ترفض منحة الدراسة في السعودية التي عرضت عليك في الثانوية ؟
أنا كنت بالثانوية و لكنني درست الفقه والحديث في المسجد العتيق ببوفاريك وكنت مرتبطا منذ طفولتي الأولى بجو المسجد. وبحكم أني كنت مفرنسا في المدرسة، يعني كنت أقرب إلى الجو الثقافي الفرانكوفوني العام، كان لي موقف ضد السعودية وكنت متأثرا فيه بمن حولي من الكبار والمثقفين في مدينتي من الذين كانوا ضد كل ما هو سعودي بالدرجة الأولى، خاصة مع كل ما كان ينشر عن السعودية في الجرائد والمجلات الفرنسية والأوروبية التي كانت تصلنا بانتظام. لذلك كانت السعودية بالنسبة لي تشكل قيمة سلبية باستثناء الحرمين الشريفين طبعا.
من هو الشخص الذي عرض عليك الدراسة في السعودية؟
الشيخ الحسين وقتها كان يعمل في محيط وزارة الشؤون الدينية هو من كان يجوب المدن و يقترح على الشباب الجزائري الذهاب إلى السعودية. وبالفعل العديد من الشباب قبلوا العرض وسافروا وعادوا بعد ذلك إلى الجزائر وهم اليوم وعاظ و شيوخ بالمساجد وبعضهم أساتذة في الجامعة.
هل يعظون بالشكل السليم ؟
البعض منهم لم يتأثر سلبيا لأنهم سافروا وهم على نسبة مقبولة من المعرفة في مجال الفقه والدين و الخلفية الدينية للجزائر كما أن منهم أبناء الأئمة وهذا ما ساعد على التقليل من حدة تأثرهم بالقيم التي يدعو لها الوهابيون وتوجههم الديني اليوم معتدل إلى حد ما. ما الآخرون فقد عادوا يروجون للسلفية الوهابية بشكل مباشر بين شبابنا، وهؤلاء أتصور أنهم خطر داهم على البلد.
هنالك من يستغرب المصطلحات التي تستخدمها في تواصلك مع الآخرين مثل « روح اشرب من البحر » لكل من لا يوافقك الرأي؟
يجب أن يؤخذ الكلام في سياقه وأنا عندما أستعمل مثل هذه المصطلحات في الفايس بوك، لا أريد منها التقليل من احترام الآخرين، بل أقصد إلى تلطيف الجو داخل الحوار ليس أكثر.. كما أن الفايس بوك شبكة تواصل اجتماعي شعبي وليس قاعة محاضرات كما أنك على تواصل مع فئات مختلفة من المجتمع ولا تطرح أفكارا أكاديمية لكي تعرض على لجنة مناقشة، بل هو حوار مفتوح أو جلسة حميمية. نقطة أخرى مهمة في هذا السياق، هي أن كل رد في الفايس بوك موجه إلى صاحبه وليس إلى الجميع. من هنا لكل تعليق جواب ينبغي أن يكون من مستواه. وكما قال القرآن الحكيم في حق قوم نوح عليه السلام : « إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ». ونحن لا يمكننا أن نكون أخلاقيين أكثر من القرآن نفسه.
؟ أنت تسعى إلى التأثير على من يتواصلون معك على الفايس بوك لنشر أفكارك الخاصة
الأكيد أنني موجود على الفايس بوك لأن لي أفكارا ورؤى أريد أن أوصلها وكل من على الفايس بوك لديه ما يقول وإلا ما الفائدة من التواجد على الشبكة ؟؟
ما رأيك في الفكرة القائلة أن الناس يلتفون حول الفكرة التي تكتسي طابعا دينيا حتى ولو كانت فكرة سخيفة أو مدمرة ؟
هذا صحيح إلى حد ما، لأن الفكرة الدينية بصرف النظر عن معقوليتها أو عدم معقوليتها، فهي عند الناس مقدسة وكل ما هو مقدس فطبيعي أن يلتف حوله الناس خاصة في المجتمعات التي لم تدخل بعد مرحلة العقل مثل مجتمعاتنا.
سعيد جاب الخير والوهابية
هل تكره الوهابية سيد سعيد ؟
أنا أكره الممارسات الوهابية في الجزائر. هنالك عمل قديم من طرف الوهابيين لضرب المرجعية الدينية في الجزائر، وهو ما أقف ضده وأنبه إليه، وأتصور أنه من الطبيعي ومن حقي أن أخاف على بلدي. و رفضي ليس موجها للأشخاص بل للفكر في حد ذاته بدليل أن لي صداقات مع من يتبعون المذهب الوهابي، لكنهم يحترمونني وأحترمهم.
من هم الوهابيون في نظر سعيد ؟
الوهابيون هم المنتمون إلى المذهب السلفي الذي أسسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ومعروف أن اللدولة السعودية تأسست على التحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأسرة آل سعود بمباركة البريطانين.
هل لديك مأخذ على الشيخ محمد بن عبد الوهاب يجعلك لا توافق مذهبه ؟
طبعا فطريقته غير سنية بالنسبة لنا كمسلمين وهو يدعو إلى رؤية دينية لها علاقة بالتجسيم المضاد للتوحيد (الذي ينبني على تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث والمخلوقات وتنزيهه عن التحيز في المكان لأن المكان مخلوق والله تعالى لا يمكن أن يحل في المخلوقات) فالتوحيد لا يمكن أن يبنى سوى على التنزيه، وذلك بنص القرآن الحكيم، ففي القرآن يقول تعالى : « لم يكن له كفؤا أحد » أي لم يكن له شبيه، يقول « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ». من هنا لا يجوز القول بأن الله تعالى متحيز في جهة مهما كانت أو أنه تعالى عن ذلك يشابه الحوادث. لكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والوهابيين ومعهم ابن تيمية يشبهون الله تعالى بمخلوقاته عندما يقولون إنه تعالى عن ذلك « موجود في جهة عدمية ». من هنا فالمسالة ليست بسيطة كما أن الشيخ ابن عبد الوهاب يرفض التصوف والصوفية رفضا قاطعا من جذورها شكلا و مضمونا جملة و تفصيلا.
من أين استمد مؤسس المذهب الوهابي أفكاره ؟
استمدها من ابن تيمية وتلاميذه، وأنا دائما أربط بين ابن تيمية والمذهب الوهابي لأن الأفكار هنا وهناك متطابقة بنسبة 95 بالمائة.
هل تعتبر أن الحقبة السوداء التي مرت على الجزائر في التسعينات كان سببها الفكر الوهابي ؟
هنالك أمر ينبغي أن يقال وهو أن سبب دخول الفكر الوهابي إلى الجزائر هو « جمعية العلماء المسلمين » الذين درسوا بالسعودية وتأثروا إلى حد كبير بهذا المذهب ومنهم الشيوخ العربي التبسي والعقبي و الإبراهيمي وحتى الشيخ ابن باديس إلى حد ما ولكن هذا الأخير يُحسب له أنه كان منفتحا ولم يكن متطرفا في رؤاه، على عكس العقبي والتبسي و الميلي الذين شكلوا قطب التطرف في الجزائر. هذا القطب لم تظهر آثاره بشكل جلي إلا بعد الاستقلال حيث بدأ ظهور ما يعرف بالحركات الإسلامية المعارضة للدولة الوطنية الجزائرية.
هل هذا يعني أن مشايخ الوهابية كانوا يطلبون من أتباعهم ذبح الجزائريين واغتصاب نسائهم و سرقة أموالهم ؟
ليس بهذا الشكل الكاريكاتوري، بل إنه في تلك الفترة كانت عدة فتاوى وهابية تدعم فكرة محاربة الدولة في الجزائر باسم الدين وتحت عنوان « الجهاد » وهذه النصوص موجودة وكل من يرجع إلى أرشيف الصحافة الجزائرية التي كانت تصدر في التسعينات من القرن الماضي، سيجد هذه النصوص بالتفصيل و الآن مع دوران الرياح، نجد أن عددا من الشيوخ الوهابيين غيروا رأيهم و سحبوا كلامهم ونشروا كتبا مناقضة لكلامهم السابق وفتاواهم السابقة. لكن هذا كله جاء بعد خراب البصرة كما يقال.
هل هم نفس الأشخاص الذين غيروا رأيهم اليوم لصالح الجزائر ؟
طبعا هم نفس الأشخاص الذين أيدوا العمل الإرهابي في الجزائر سابقا ومنهم عائض القرني والشيخ الفوزان وابن جبريل وابن باز وابن عثيمين وغيرهم. بل إن بعض مشايخ الوهابية ممن يحسبون على ما يسمى تيار السلفية الجهادية الذين لا يقيمون في السعودية أمثال أبي قتادة وأبي حمزة المصري وغيرهما، أيدوا أيضا الممارسات الإرهابية في الجزائر بفتاوى صريحة ومعلنة وموثقة.
هل تعتقد أن الجزائريين سيغفرون لهؤلاء الشيوخ وقوفهم مع الإرهابيين ؟
لا أتصور ذلك. وعلى كل حال فنحن في الجزائر نتميز بضعف الذاكرة إلا أن التاريخ لن ينسى هذه المواقف وأحب أن أوضح أمرا آخر في هذا السياق، وهو أنني عندما أتكلم عن مشايخ الوهابية لا أقصد بالضرورة المقيمين في لندن وأوروبا وأمريكا وحدهم، بل أقصد بالدرجة الأولى العلماء المقيمين في السعودية.
ما هي برأيك مصلحة الوهابيين في تصاعد حمام الدم في الجزائر في تلك الفترة ؟
عليك أن تراجع مذكرات محمد لمقامي التي طبعتها الشركة الوطنية للاتصال النشر والإشهار، تحت عنوان « رجال الخفاء » ومحمد لمقامي هو سفير الجزائر سابقا في ألبانيا و قد قال في مذكراته، إن السفارة السعودية كانت تدعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر ماديا وبشكل مباشر وكانت تصرف عليها المليارات وتصدر الفتاوى لدعمها، لأنها كانت تراهن على صعود هذه « الجبهة » إلى الحكم وبالتالي فالمسالة مسالة تحقيق مصالح ترتبط بالأجندة الوهابية، وهذه التصريحات ليست لي بل هي كلام شخصية رسمية في الدولة الجزائرية، وكلامه مطبوع وموجود في الأسواق لمن يريد أن يطلع عليه.
هنالك من الناس من يستصعب فكرة أن بأرض الحرمين مشايخ يفتون بجواز إراقة دماء مسلمين أبرياء ؟
أنا هنا أتوجه بسؤال إلى هذه الفئة من الناس : هل السعودية دولة معصومة ؟ وهل علماء السعودية ملائكة منزلون من السماء أو معصومون من الخطأ ؟ وهل شعب السعودية شعب ملائكة أو شعب معصوم من الخطأ ؟ وأكتفي بذلك، ولكل واحد أن يفكر ويرى لنفسه ما يريد.
سعيد أنت كباحث في التصوف تعيب على الوهابين عقلية التكفير ولكنك تكفرهم بطريقة غير مباشرة عندما تضرب معتقداتهم في الصميم ؟
أنا أنتقد و أرفض معتقداتهم وهذا من حقي. لكن نقد فكرة شخص ما لا يعني تكفير صاحبها إطلاقا، لأنني لست ممن يوزعون تذاكر الجنة والنار، كما إنني لم أنكر أبدا ولا أنكر على الوهابيين أنهم مسلمون.
هل الشيخ الألباني ممن ينتهجون سياسة التكفير ؟
أتصور ذلك، فهو كفر عدة طوائف واتجاهات، وهذا موجود في كتبه. كما أن الألباني محدث وليس مفتيا بمعنى أنه لا يمثل مرجعية دينية في الفقه والفتوى.
من هم الشيوخ الذين تأثرت بهم ؟
هنالك الكثير منهم مثلا الشيخ ناصر سيدي موسى إمام المسجد العتيق في بوفاريك، والشيخ عيسى طالب من بوفاريك، الشيخ الوجدي من مدينة القليعة، الشيخ سيدي محمد أمبوعزة من مدينة الرمشي في تلمسان، الشيخ الدكتور الهاشمي التجاني والشيخ سيدي محمد بن بريكة. بالإضافة إلى أستاذي الدكتور عبد الرزاق قسوم الرئيس الحالي لجمعية العلماء المسلمين، والأستاذ الدكتور محمد الأمين بلغيث. وعذرا لمن نسيتهم.
أنت ترفض بشكل عام استيراد تعاليم الدين من المشرق، هل في رأيك بالجزائر لدينا أ, يمكن أن تكون لدينا مرجعية دينية توقف هذا الاستيراد الديني من الخارج ؟
تحدثت عن هذا الموضوع بالتفصيل في دراسة نشرتها مؤخرا على موقع ولاد سيدي الذي أشرف عليه. المرجعية الدينية في الجزائر متمثلة أساسا في ثلاثة محاور، هي العقيدة السنية في التوحيد، والمذهب المالكي في الفقه، وطريقة الإمام الجنيد التصوف. هذه المحاور الثلاثة هي التي شكلت مرجعية الجزائر منذ قرون طويلة وتدرس في متن ابن عاشر في المساجد والزوايا. وعندما نقول أهل السنة لا نقصد السلفية والوهابية، فللأسف اختلطت المفاهيم اليوم حيث أصبح الكثيرون يعتبرون أن أهل السنة هم السلفيين وهذا أمر خاطئ في تصوري، لأنهما أمران مختلفان بالنسبة لي. فأهل السنة موحدون منزهون ولا يقولون بالتجسيم بل يرفضونه تماما. أما السلفية الوهابية فأغلبهم إن لم نقل كلهم أو كثير منهم على الأقل، يقفون على حدود التجسيم ويقولون إن الله تعالى عن ذلك « موجود في جهة عدمية » كما سبق وأوضحت. وهذا لا يقبل به أهل السنة على الإطلاق. ومع ذلك أؤكد أني لا أكفر أحدا ولا أقصي أحدا ولا أنفي صفة الإسلام والإيمان عن أهل القبلة مهما كانت اتجاهاتهم ومهما اختلفت مذاهبهم ورؤاهم.
لو يظهر لنا اليوم شخص من خارج الزاوية هل يمكن أن يكتسب الشرعية ليكون مرجعية دينية ؟
بالنسبة لي لن تكون لديه شرعية لأن الشأن الديني و التعليم الديني في الجزائر ومن قديم الزمان، أساسه الزاوية. واسمح لي أن أشير إلى أمر خطير وهو أن المقررات الدراسية في الجامعات الإسلامية بالجزائر موبوءة بالفكر الوهابي، ولا يعقل أن نقدم كتبا ومراجع لطلابنا أصحابها يفتون بجواز قتل المسلمين وأهل القبلة تحت عنوان « الجهاد » و يبررون الإرهاب الذي عانينا منه طويلا، وما نزال نعاني بعض مضاعفاته النفسية والاجتماعية التي لا يمكن أن تنمحي هكذا بجرة قلم أو في لمح البصر.
من يتحمل مسؤولية هذا الأمر ؟
أتصور أن من يتحمل هذه المسؤولية هو الدولة بالدرجة الأولى، لأن هذه الجامعات مؤسسات رسمية تابعة للدولة الجزائرية وهي من يتحمل هذه المسؤولية بالدرجة الأولى. ثم هنالك أيضا هيئات التدريس في الجامعات الإسلامية التي أصبحت مع الأسف مخترقة من طرف السلفيين والوهابيين ممن ينشرون بين طلابنا الفكر السطحي والتكفيري والإقصائي والعدمي. وما من شك أن المسؤولية في النهاية يتقاسمها الجميع، لأن كل واحد منا له نصيب من هذه المسؤولية بشكل أو بآخر.
ربما الدولة لا ترى في الوهابية خطرا على الجزائر ؟
ربما يكون هذا صحيحا أو أنها لم تنتبه إلى ذلك، ولهذا فأنا أفضل أن أنبه ولا أدين أحدا.
من في رأيك الشخصية التي يمكنها أن تشكل مرجعية دينية في الجزائر ؟
لا يمكنني أن أقول لك عن شخصية محددة لأن ذلك سيحسب علي كرأي سياسي وأنا لا أحب أن أدخل في الشأن السياسي الرسمي.
طيب لماذا تتعالى أصوات من المجلس الإسلامي الأعلى كلما ترشح شخص ما لمنصب مفتي الجمهورية ؟
أتصور أن السبب في ذلك هو أن المرجعية الدينية عندنا أصبحت تعاني تشتتا وتشرذما واضحا، فالمجلس الإسلامي (على غرار بقية المؤسسات الدينية العلمية وغير العلمية) مخترق من طرف الوهابيين والدليل على ذلك هو عدم القدرة على الاتفاق على شخصية تمثل منصب مفتي الجمهورية، و من يدفع ثمن هذا الاختلاف هو المجتمع مع الأسف.
خلافه مع ابن باديس
هل لديك اعتراض على أن ابن باديس هو شيخ وعلامة ؟
أبدا فابن باديس رحمة الله عليه شيخ وعلامة كبير لا شك في ذلك، وله كل التقدير والتوقير والاحترام الذي يستحقه.
ولكنك لا تمطره بعبارات الثناء وكثيرا ما تنتقده ؟
الشيخ ابن باديس علامة كبير ولكن هذا لا يعني أننا لا نختلف معه في بعض النقاط، وهو ليس نبيا معصوما في النهاية. وكما قال الإمام مالك رحمه الله : كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبره صلى الله عليه وآله.
لمذا تتعمد انتقاده و التشكيك فيه ؟
أنا أفرق بين حقيقة الفكر الباديسي قبل الاستقلال أي على عهد الاحتلال الفرنسي، وفي إطاره التاريخي وبين الفكر الباديسي بعد الاستقلال، أقصد الفكر الذي صنعته الدولة الوطنية. فما يرفضه الكثيرون اليوم هو انتقاد ما نشأوا عليه في المدرسة من تقديس للخطاب الإصلاحي الذي صعنته الدولة الوطنية بعد الاستقلال. وأنت وأنا والآخرون كلنا من تلك الأجيال التي نشأت في المدرسة على تقديس الخطاب الإصلاحي. وفي هذا الجانب ما تزال دار لقمان على حالها. فهذه الأجيال اليوم ترفض تغيير الصورة المقدسة لابن باديس التي فرضتها الدولة الوطنية عليهم في المقررات الدراسية بعد الاستقلال وما تزال مفروضة حتى اليوم. لكن هذا التقديس الرسمي الذي رسخ في أذهان أجيال كثيرة شيء، والفكر الباديسي و »الإصلاحي » الديني والسياسي كما هو موجود في أرشيف ابن باديس وأرشيف الحركة الإصلاحية، هذا شيء آخر تماما ومختلف تماما عن تلك الصورة التقديسية التي صنعتها الدولة الوطنية. وليس عيبا أبدا أن نعود اليوم إلى النصوص وإلى الحقائق التاريخية كما هي في بطون الأرشيف، لنقول إن العلامة ابن باديس و »العلماء » كانوا مع فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا في وقت مضى أو في مرحلة من مراحل نشاطهم الإصلاحي، لأن ذلك موجود في أرشيفهم مقالاتهم. والحقيقة التاريخية الموضوعية تختلف تماما عن الخطاب الرسمي الذي رسخته الدولة الوطنية ومؤسساتها عن ابن باديس والاتجاه الإصلاحي العلمائي في الجزائر. أقول ذلك مع كل احترامنا وتوقيرنا وتبجيلنا للعلامة ابن باديس رحمه الله تعالى.
طيب ما الذي تجنيه من إثارة مثل هذه المواضيع التي تشكك فيها برموز الجزائر ؟
أنا مضطر إلى ذلك، لأنني باحث وسأجيبك بصراحة فجمعية العلماء المسلمين هاجمت بقوة المرجعية الصوفية على عهد الاحتلال، والدولة الوطنية بعد الاستقلال لم تترك أية فرصة أو مجال للصوفية كي يدافعوا عن أنفسهم، حيث إنه بعد الاستقلال تغييب الزوايا والطرق الصوفية وقمعها وقمع مشايخها، بينما رفعت الحركة الإصلاحية وخطابها الباديسي إلى مرتبة القداسة وهذا ظلم كبير ظهرت نتائجه عندما استغل الوهابيون الفراغ الذي تركه غياب المرجعية الدينية الصوفية، ودخلوا في فضاءاتنا الدينية تحت العباءة الإصلاحية التي التحقت بالمؤسسات الدينية الرسمية للدولة، ومن ثمة كانت النتيجة الطبيعية أننا غيبنا خطاب التسامح والانفتاح وفتحنا المجال لخطاب العنف، وبالتالي دفعنا الثمن من دماء أبنائنا وشعبنا. من هنا أتصور أنه آن الأوان لإعادة النظر في تاريخ الحركة الإصلاحية، وأيضا إعادة الاعتبار للصوفية ومؤسسة الزاوية. وحتى إن كان الصوفية ارتكبوا أخطاء كما يرى البعض، فما على هؤلاء سوى أن ينشروا على الملأ ما عندهم من وثائق تؤكد كلامهم.
إذن نفهم من هذا أنك تنتقم للصوفية من جمعية العلماء المسلمين ؟
ليست المسألة مسألة انتقام بل المسألة هي إعادة الأمور إلى نصابها وإزالة اللبس والضبابية عن حالة بقيت غامضة لعدة عقود. اليوم أتصور أنه آن الأوان لرفع غطاء القداسة عن الجميع، أقول الجميع كل الجميع. فمن قبل بالاندماج علينا أن نقول إنه قبل بالاندماج، ومن شتم الثورة كالشيخ العقبي علينا أن نقول إنه شتم الثورة ولا نخفي الحقيقة مهما كانت الدواعي والتبريرات.
إذا ثبت أن الطرقيين كانوا اندماجين في فترة ما من الاستعمار هل سيكون خطابك بنفس الحدة ضد جمعية العلماء المسلمين ؟
يا أخي من لديه وثائق فليظهرها ولينشرها على الناس. وأتصور أنه لا أحد فوق النقد مهما كان ومهما كان اتجاهه.
أنت لا تؤمن بمبدأ كبيركم لا تنتقدوه ؟
أنا لا أؤمن بهذه الأفكار فما عدا الأنبياء والرسل عليهم السلام، كل البشر قابلون للانتقاد.
على سيرة الأنبياء سبق وأن أثرت نقاشا حول مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام ؟
أثرت هذه المسألة في مقابل هؤلاء الذين يحرمون التبرك بقبور الأولياء والصالحين.
وهل قبر النبي كقبر الولي الصالح ؟
كرامات الأولياء مستمدة من معجزات الأنبياء وهي فرع منها كما يقول الصوفية ومعهم علماء التوحيد. فإذا كنا مأمورين بنص القرآن الحكيم بتقديس موضع أثر قدمي النبي إبراهيم عليه السلام والصلاة عنده، فالأولى بنا تقديس مقام قبر الرسول صلى الله عليه وآله، والذي هو أرفع منه مرتبة. أما توقير قبور الأولياء والصالحين، فهو موجود في القرآن الكريم حيث قال تعالى عن الفتية المؤمنين الصالحين من أهل الكهف (في سورة الكهف) : « قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ».. ولم ينكر القرآن الحكيم ذلك على الناس. ومن المعلوم في علم الأصول أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
العقل و التصوف
عندما تقول إنك لا تتنازل عن عقلك لأي شيخ ألا تقصد بهذا أن عقلك لديه القدرة الكاملة لاستيعاب كل الأمور ؟
لا فرق بين عقل شخص عادي وبين عقل شيخ ما، فنحن كلنا نملك نفس عدد الخلايا العصبية وكل الناس سواسية في قدرة الايستيعاب. الفرق في مسألة تنمية الموهبة العقلية، فهناك من ينميها بالبحث والمطالعة والحوار والنقاش والتساؤل فتقوى، وهناك من لا ينميها بذلك فتضعف أو تضمر.
هل من مصلحة المسلم أن يؤمن بعقله خاصة عندما يصدق بالملائكة والجنة التي لم يرها ؟
الإسلام دين للتفكير، موضوع للتفكير والتدبر والاجتهاد وليس للاستهلاك فقط. والله تعالى يقول « أفلا يتدبرون القرآن » ؟ ويقول ويكرر عدة مرات في القرآن الحكيم عبارات مثل : لقوم يعقلون، لقوم يتفكرون، لأولى الألباب.. فهل هذه دعوة إلى العقل والعقلانية أم ماذا ؟ كما إن الجانب الغيبي وجانب الماورائيات ليس من الضروري أن كل الناس لا يرونه، فبعض الأولياء يرون الملائكة ويرون الجن.. وقد ثبت في القرآن الحكيم أ، السيدة مريم أم السيد المسيح عليهما السلام وهي ليست نبية بل امرأة صديقة صالحة، رأت الملائكة ورأت جبريل عليهم السلام وتحدثت معهم في كثير من المناسبات. فهذه كرامة من الله تعالى لأوليائه وهذا أمر ثابت في السنة النبوية، ومن الصحابة من رأى الملائكة والجن بل منهم من رأى إبليس وتحدث معه وجها لوجه وكل ذلك ثابت في السنة. وعندما أقول إنهم يرونهم ليس بالضرورة على شكلهم الحقيقي بل من الممكن أن يكون ذلك بالصور التي يتمثلون فيها.
أيهما أكثر سعادة مسلم يؤمن بعقله ويفكر أم مسلم يسلم عقله ؟
لا أملك إجابة لهذا السؤال و لكني أتصور أن كليهما سعيد، لأن المسلم الذي يؤمن بعقله هو بصدد استخدام نعمة العقل التي أنعم الله تعالى عليه بها، ولا أتصور أن الله سيحاسبه إذا استخدم ووظف تلك النعمة أو تعمق في البحث في الماورائيات أو في غيرها.
أليس العقل سببا في الإلحاد نظرا لأنه يبحث عن دليل علمي لكي شيء ؟
هذا غير صحيح وليس واردا إلا في الفكر الوهابي الذي يروج لذلك. العقل ليس طريقا إلى الإلحاد. كما قيل : قليل من الفلسفة يبعد عن الله، لكن الكثير منها يؤدي إلى الله تعالى. والعقل ليس بالضرورة قادرا على الإجابة عن كل تساؤلات الإنسان. ثم إنه ليس من مهمة العقل والفلسفة الوصول إلى الإجابات بقدر ما هي طرح الأسئلة. والناس العاديون ليسوا مؤهلين لأن يبحثوا في كل شيء، لكن الفلاسفة يبحثون في هذه كل شيء وهذا من واجبهم الحضاري والإنساني.
حول موقع ولاد سيدي
بداية اليس اسم الموقع غريبا ؟
هذا ما يعتقده الكثيرون ولكن المقصود بــ »ولاد سيدي » هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. فنحن سمينا الموقع « ولاد سيدي » أي ولاد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله، في مقابلة ما يشيع في ثقافتنا الشعبية من أن المسيحيين هم « ولاد سيدنا عيسى ».. فنحن من هذا المنطلق سمينا الموقع « ولاد سيدي ». ومن يدعي غير ذلك أو يقول أنه ليس لدينا سيد أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس سيدنا وسيد البشر جميعا بل سيد الكونين والثقلين، فليشرب من البحر لأن الرسول صلى الله عليه وآله سيد البشر جميعا وسيد المخلوقات كلها ونور الكون كله. ومن لا يسيده فهو لا يوقره ولا يعظمه ونحن مطالبون بنص القرآن الحكيم، بتوقيره وتعظيمه.
يقال إنك وعبد الحمن سمار أسستما الموقع لنشر أفكار منعتما من نشرها في الجرائد ؟
نحن فعلا أنشأنا الموقع لطرح ما عندنا من رؤى، ولكن ليس للسبب الذي ذكرته. وموقع ولاد سيدي هو موقع منفتح وليس حكرا على مؤسسيه فقط أو على اتجاه واحد فقط، بدليل أننا نرحب بالجميع وبكل من يريد أن ينشر أيا كان اتجاهه. كما أحب أن أوضح أمرا مهما وهو أن الموقع ليس دينيا بحتا بل هو إخباري بالدرجة الأولى يهتم بالشأن الديني والفعل الديني وتقاطعاته من الشأن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، كما يهتم بالشأن الصوفي الروحاني والثقافي أيضا. حيث يمكن للزائر أن يطلع على الأخبار والفنون و الثقافات إضافة إلى الأديان.
بالحديث عن منشورات الموقع تفاجأنا بنشر الموقع لصورة الرسام الفنان المغربي الذي نشر صورة لجسم عار وعليه آيات قرآنية ؟
الصورة هي لعمل فني اقترح لمهرجان مراكش ورُفض، والصورة هي نفسها لتي نشرتها كل الوكالات و بما أننا تناولنا الموضوع تناولا خباريا مهنيا دون تعليق، فقد كان علينا لزاما أن ننشر الصورة لأن الخبر ليس له معنى ولا يفهم بدونها، ومعلوم أن الصورة في المدرسة الإعلامية الأنجلوسكسونية هي الخبر بحد ذاته.
لو أن الموقع أنشئ في الفترة التي ظهرت فيها الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله هل كنت لتنشرها ؟
لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال لأن الظروف مختلفة اليوم وأتصور أن منع نشر الرسومات هي مزايدات الدول العربية أكثر منها مسألة مهنية إعلامية أو حرص على الدين، و نشرها ليس مشكلة حتى من ناحية الفتوى الدينية. وأحب أن أوضح في هذا السياق أن الخطاب الديني الرسمي هو من منع نشرها. أما بالمعنى المهني فأتصور أنه لا ضرر من نشرها. وحتى في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، كان ثمة شعراء يقولون قصائد هجاء ضده وفيها سب وفيها شتم لشخصه الشريف، فهل كانوا يخفونها عنه ؟ لقد كان يطلع على ما فيها يرى رأيه في أصحابها. فلو لم تنشر كيف تصل إليه حتى يطلع عليها ؟
ولكننا بهذا نفتح المجال لنفوس مريضة من أن تشوه مقدساتنا تحت غطاء الفن ؟
من حق المسلمين أن يعرفوا ويروا ما يقوله الغرب عن نبيهم وعن دينهم. وكما تعرف، الخبر مقدس في الإعلام، ونحن نمارس مهنة الإعلام.
؟ يقال ان سعيد جاب الخير يخفي سرا كبيرا عن الجزائريين و يتهمه البعض بأنه شيعي
(يستغرب).. أنا دائما أقول إنني واضح، جدا واضح وليست لدي أسرارٌ أخفيها. اتهمت أني شيعي وأني شيوعي أيضا. وعن ذلك أقول : هذه اتهامات باطلة لا أساس لها، علما أني لا أكفر الشيعة ولا أكفر أحدا من أهل القبلة. وكما يقول الفقهاء : البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
ولاد سيدي مع أسبوعية « المحور »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق