السبت، 28 يونيو 2014

قفة رمضان بين الإحسان والتسول..

يتميز شهر رمضان ككل سنة، بتنظيم عدد من الأنشطة الاجتماعية التضامينة، لتجسد بذلك قيم التآزر والتضامن التي يتميز بها مجتمعنا، وتعمل مجموعة من الجمعيات والمؤسسات الحكومية في هذا الشهر المبارك، على إقامة موائد يومية للإفطار، وتقوم أخرى بتوزيع مساعدات مادية للأسر المعوزة وذوي الاحتياجات، بينما توزع بعضها قفة رمضان على اليتامى والأرامل والمحتاجين، حيث تعتبر من أهم الأنشطة الاجتماعية التي تمس بفئة كبيرة من شرائح المجتمع.

فقفة رمضان وإن كانت في حقيقتها سلوكا حضاريا وسنة حسنة، إلا أن الإجراءات المتبعة في تسليمها، متخلفة ولا تمت للكرامة الإنسانية بصلة، فهي هدر لها وتبعد عن الخلق الحسن، زيادة على أن الأسلوب المتبع في التوزيع وعلى رؤوس الاشهاد، فيه نوع من الحقرة وسوء المعاملة كل هذا وسط مهرجان من الصور والتشويه والتشهير الفظيع الذي لايقبله اي إنسان.

فالتضامن ليس صدقة بل احترام لكرامة الإنسان، والإحسان شيء جميل سواء في رمضان أو في غيره من أيام السنة، لكنه من المفروض أن يكون إحسانا مكرّما لا مذلا مخزيا ومكرِّسا لتصنيف مقيت بين طبقات الشعب، فتفطير الصائم، لم يكن يُشهّرُ له أبدا من قبل، بل كان المسلم الجزائري يحرص أكثر مايحرص على حفظ كرامة من يقدم له يد المساعدة أكثر من حرصه على مساعدته، أما مانراه اليوم من "طوابير الجوع" كما أصبح يسمى، ومن إحصاء لعدد الوجبات التي تقدم "من أية جهة كانت" وكذا إحصاء المبالغ المالية التي تصرف على"قفة رمضان" ماهي إلا دليل قوي على بؤس هذا الشعب الذي ناضل طويلا من أجل حفظ ماء الوجه أمام نفسه، فإذا به يسلخه أمام الملإ في شهر الرحمة حتى ليخيل لمن ينساق أمام هذا الاشهار المقصود أو غير المقصود أنه تحول إلى متسول يعيش على الصدقة والإحسان في حين أنه يمتلك بلدا من أغنى وأعظم البلدان.

وهو ما دفع بالكثير من العائلات الفقيرة إلى الاستغناء عن هذه القفة لحفظ ماء الوجه، واتقاء لكلام الناس وحفاظا على كرامة الأبناء التي تجعلهم مسخرة لأقرنائهم الذين ينعتونهم بالمتسولين، وبالأخص في الأحياء الشعبية التي يعرف قاصيها دانيها، فكثير من العائلات الجزائرية لا ترضى بلقمة لم تتأتى من عرق الجبين، رافضة بسط يدها للمسؤولين أعطوها أو منعوها، فرمضان بالنسبة لهم مناسبة للتشمير على السواعد والعيش الكريم.

إن مثل هذه الأعمال هو من باب إدخال السرور على قلب مسلم، لكن ذلك لا يعني أن يعيش الجزائري على مد يده وانتظار فتات موائد الرحمة وقفة رمضان، فالشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وما أكثرهم وأعظمهم، لم يموتوا من أجل أن يعيش هذا الشعب على الصدقات، وانتظار المنح والهبات، إن ثقافة "السوسيال" كما يعرف محليا هي ثقافة تجييح وتثبيط للفرد الجزائري ليس إلا.

فهذه القفة التي يستفيد منها فقراء الشعب المصابون بالفقر المعنوي وليس المادي - وهنا فرق بين الإثنين - هم بحاجة إلى فرص عمل حقيقية ودائمة، وإلى المؤسسات الدستورية القوية التي تنتج الحلول المناسبة للمعضلات التي تطرأ على الدولة والأمة، وكلها ستمكن الأفراد من الحفاظ على كرامتهم، وتغنيهم عن السؤال وتهيئهم لدور مجتمعي لا عالة فيه على أحد، فمعضلة الفقر والبطالة والعوز لا يمكن معالجتها بالصدقات الدائمة.. وتحويل الحكومة إلى جمعية خيرية تقوم بتوزيع الزيت والسكر على الفقراء في رمضان! على طريقة القذافي الذي حول دولة برمتها إلى جمعية خيرية باسمه! وباسم أبنائه! حتى في السياسة الخارجية! هي من السياسات التي أثبتت فشلها من خلال التجارب..

وفي الأخير لا أجد لكم خيرا من قوله تعالى : {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ}..

.

.

.

.

.

.

أحمد عقون.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق