السلام1
حينما يتغلب الجانب المادي في حياة الإنسان، فينساق وراء أهوائه وشهواته، ويهمل مطالبه الروحية، فإنه يصبح في معيشته أشبه بالحيوان، بل أضل سبيلا لأنه لم يستخدم عقله الذي ميزه الله سبحانه وتعالى به على الحيوان .
قال تعالى : { أرأيت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن اكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا }.
والإنسان الذي يعيش هذا النوع من المعيشة يكون غير ناضج الشخصية، ويكون أشبه بالطفل الذي لا يهمه إلا إشباع حاجاته ورغباته، ولم تقو إرادته بعد، ولم يتعلم كيف يتحكم في أهوائه وشهواته، ويصبح خاضعاً لترجيه “نفسه الأمارة بالسوء ! ” قال تعالى : { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم }.
وحينما يبلغ الإنسان مرتبة أعلى من النضوج والكمال، يبدأ ضميره في الاستيقاظ، فيستنكر ضعف أرادته وانقياده لأهوائه وشهواته وملذات الحياة الدنيوية مما يوقعه في الخطيئة والمعصية، فيشعر بالذنب، ويلوم نفسه ويتجه إلى الله سبحانه وتعالى مستغفراً ، فإنه يصبح في هذه الحالة تحت تأثير” النفس اللوامه ” .قال تعالى : { لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة }.
وإذا أخلص الإنسان بعد ذلك في توبته، وأخلص في تقربه لله تعالى بالعبادات والأعمال الصالحة، والابتعاد عن كل ما يغضب الله، وتحكم تحكما كاملا في هوائه وشهواته وقام بتوجيهها إلى الإشباع بالطريقة التي حددها الشرع فحقق بذلك التوازن التام بين مطالبه البدنية ومطالبه الروحية، فإنه يصل إلى أعلى مرتبة من النضوج والكمال الإنسانية، وهي المرتبة التي تكون فيها النفس الإنسانية في حالة اطمئنان وسكينة، وينطبق عليها وصف ” النفس المطمئنة” قال تعالى : { يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}
ويمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلاثة للنفس، وهي النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة على أنها حالات تتصف بها شخصية الإنسان في مستويات مختلفة من النضج التي تمر بها أثناء صراعها الداخلي بين الجانبين المادي والروحي من طبيعة تكوينها .
فحينما تكون شخصية الإنسان في أدنى مستوياتها الإنسانية بحيث تسيطر عليها الأهواء والشهوات الملذات البدنية والدنيوية، فإنها تكون في حالة ينطبق عليها وصف النفس الأمارة بالسوء ، وحينما تبلغ الشخصية أعلى مستويات النضج والكمال الإنساني حيث يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية فإنها تصبح في الحالة التي، ينطبق عليها وصف النفس المطمئنة .
وبين هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه الإنسان نفسه على ما يرتكب من أخطاء، ويسعى جاهداً للامتناع عن ارتكاب ما يغضب الله ويسبب به تأنيب الضمير، ولكنه لا ينجح دائمـاً في مسعاه، فقد يضعف أحياناً ويقع في الخطيئة ، ويطلق إلى الشخصية في هذا المستوى النفس اللوامة .
الشخصية السوية :
إن الحل الأمثل للصراع بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان هو التوفيق بينهما، بحيث يقوم الإنسان بإشباع حاجاته البدنية في الحدود التي أباحها الشرع، وتقوم في الوقت نفسه بإشباع حاجاته الروحية .
ومثل هذا التوفيق بين حاجات البدن وحاجات الروح يصبح أمراً ممكناً إذا التزم الإنسان في حياته بالتوسط و- الاعتدال ، وتجنب الإسراف والتطرف سواء في إشباع دوافعه البدنية أو الروحية.فليس في الإسلام رهبانية تقاوم إشباع الدوافع البدنية وتعمل على كبتها .
كما ليس في الإسلام إباحة مطلقة تعمل على الإشباع التام للدوافع البدنية دون ضبط وتحكم، وإنما ينادي الإسلام بالتوفيق بين دوافع كل من البدن والروح، واتباع طريق وسط يحقق التوازن رين الجانبين المادي والروحي في الإنسان . وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم: { وابتغ في آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا }.
ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى أيضا: ( إن الرهبانية لم تكتب علينا ). رواه أحمد . وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، قد غفر له ما تقدم من ذنب وما تأخر، فقال أحدهم : أما أنا فإني أقوم الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ،أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني رواه الشيخان والنسائي .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار) ، قلت: إني أفعل ذلك قال: ( فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك وإن لنفسك عليك حقا ولأهلك حقا فصم وأفطرا وقم ونم ). رواه الشيخان .
وحينما يتحقق التوازن بين البدن والروح تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الكاملة السوية، والتي تمثلت في شخصية النبي صلوات الله عليه وسلامه- التي توازنت فيها القوة الروحية الشفافة، والحيوية الجسمية الفياضة، فكان يعبد ربه حق عبادته في صفاء وخشوع تامين، كما كان يعيش حياته البشرية مشبعا لدوافعه البدنية في الحدود التي رسمها الشرع .
ولذلك فهو يمثل الإنسان الكامل، والشخصية السوية النموذجية الكاملة التي توازنت فيها جميع القوى الإنسانية البدنية منها والروحية . وفي الحديث الشريف : ( حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة ). روإه النسائي وأحمد والحاكم .
إن الشخصية السوية في الإسلام هي :
السويه
الشخصية التي يتوازن فيها البدن والروح ، وتشبع فيها حاجات كل منهما . إن الشخصية السوية هي التي تعني بالبدن وصحته وقوته ، وتشبع حاجاته في الحدود التي رسمها الشرع، والتي تتمسك في نفس الوقت بالإيمان بالله ، وتؤدي العبادات، وتقوم بكل ما يرضي الله تعالى، وتتجنب كل ما يغضبه .
فالشخص الذي ينساق وراء أهوائه وشهواته شخص غير سوي. وكذلك فإن الشخص الذي يكبت حاجاته البدنية، ويقهر جسمه ويضعفه بالرهبانية المفرطة والتقشف الشديد، وينزع إلى إشباع حاجاته وأشواقه الروحية فقط ، هو أيضا شخص غير سوي وذلك لأن كلا من هذين الاتجاهين المتطرفين يخالف الطبيعة الإنسانية، ويعارض فطرتها .
وحينما يتحقق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الكاملة السوية، والتي ينعم فيها الإنسان بكل من الصحة البدنية و النفسية، ويشعر فيها الإنسان بالأمن النفسي والطمأنينة والسعادة .
والتوازن وشخصية الإنسان بين البدن والروح ليس إلا مثالا للتوازن الموجود في الكون بأكمله . فقد خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء بمقدار وميزان . قال تعالى : { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } .
وقال تعالى : { وكل شيء عنده بمقدار }.
وقال تعالى : { إنا كل شيء. خلقناه بقدر }.
وقال تعالى : { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } .
إن الصحة النفسية تهدف إلى تنمية الفرد وجعله قادرا على نشاط مثمر وربط علاقات سوية مع الغير مع التمتع بإرادة ثابتة وعقيدة مثلى ليعيش في سلام وسعادة مع نفسه وذويه والمجتمع بصفة عامة.
وإن الصراعات الباطنية التي يخوضها المرء طيلة حياته من شأنها أن تتسبب في اضطرابات نفسية شديدة إن لم يقع حلها بصفة مرضية وأخطر الصراعات تتمثل في الأنانية المفرطة والرغبات الملحة لتحقيق الشهوات مهما كانت الطرق والحيل المستعملة لهذا الغرض.
وقد أجمع الكثير من العلماء على أن الخطأ هو في الذنب والألم الذي يشربه الإنسان نتيجة ما ارتكبه من أعمال سيئة وقذرة. وتعتبر هذه العقدة كعنصر أساسي لتكوين العصابات يعني الأمراض العصبية باعتبار أن مظاهر سوء التوافق النفسي تمثل أمراض الضمير بل هي حيلة دفاعية للهروب من تأنيب الضمير.
ومن أهم الأعراض النفسية المرضية مشاعر القلق والحصر والشعور بالذنب والخطأ أو بالعكس العدوان الظلم والسلوك المضطرب، والمنحرف الخارج عن الإقليم والمقاييس الاجتماعية . وتحث القيم الدينية على التحكم في الدوافع والتغلب عليها بسيطرة النفس الفاضلة الضمير وهو الأنا الأعلى عند فرويد .
ونفهم إذن كيف في مجتمعنا العربي الإسلامي ، أن نتماشى مع هذه القيم الدينية الأصيلة التي لا تزال قائمة في النفوس بشكل من الأشكال، وتعالج عادة الفرد من الصراع الذي يتخبط فيه انطلاقا من هذه المقاييس .
والمريض يفهم خطابنا هذا ولا يفهم كلاما آخر مثل الكلام الغامض المعقد الذي نستخرجه من بعض النظريات شبه العلمية الغربية المصدر والتي لا تنفك باقية يوما بعد يوم عرضة إلى الانتقاد والمراجعة في المجتمع الغربي نفسه .
زد على ذلك كشرط تقني أساسي للتشخيص والعلاج، ضرورة فهم المريض من الداخل والتماشي معه يعني مع اعتقاداته وقيمه وإجمالا مع قواعد شخصيته الأساسية وهو السبيل الأفضل لمعاينته الدقيقة ولتركيز تشخيص مرضه بصفة قويمة ثابتة .
هذا وإن الدين الإسلامي يكون وسيلة لتحقيق الإيمان والسلام النفسي وهو إيمان وأخلاق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة والسلام .
وقد كتب وحلل وألف الكثير من الأطباء والعلماء المسلمين في مجال السعادة النفسية، وإن كل المذاهب الفلسفية الإسلامية التي تعرضت إلى فهم الروح وتحليل جوهرها وماهيتها قد أتت كما هو معلوم بتعاليم قيمة لتحقيق الاطمئنان للأفراد والجماعات، عبر الزمان والمكان .
حينما يتغلب الجانب المادي في حياة الإنسان، فينساق وراء أهوائه وشهواته، ويهمل مطالبه الروحية، فإنه يصبح في معيشته أشبه بالحيوان، بل أضل سبيلا لأنه لم يستخدم عقله الذي ميزه الله سبحانه وتعالى به على الحيوان .
قال تعالى : { أرأيت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن اكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا }.
والإنسان الذي يعيش هذا النوع من المعيشة يكون غير ناضج الشخصية، ويكون أشبه بالطفل الذي لا يهمه إلا إشباع حاجاته ورغباته، ولم تقو إرادته بعد، ولم يتعلم كيف يتحكم في أهوائه وشهواته، ويصبح خاضعاً لترجيه “نفسه الأمارة بالسوء ! ” قال تعالى : { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم }.
وحينما يبلغ الإنسان مرتبة أعلى من النضوج والكمال، يبدأ ضميره في الاستيقاظ، فيستنكر ضعف أرادته وانقياده لأهوائه وشهواته وملذات الحياة الدنيوية مما يوقعه في الخطيئة والمعصية، فيشعر بالذنب، ويلوم نفسه ويتجه إلى الله سبحانه وتعالى مستغفراً ، فإنه يصبح في هذه الحالة تحت تأثير” النفس اللوامه ” .قال تعالى : { لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة }.
وإذا أخلص الإنسان بعد ذلك في توبته، وأخلص في تقربه لله تعالى بالعبادات والأعمال الصالحة، والابتعاد عن كل ما يغضب الله، وتحكم تحكما كاملا في هوائه وشهواته وقام بتوجيهها إلى الإشباع بالطريقة التي حددها الشرع فحقق بذلك التوازن التام بين مطالبه البدنية ومطالبه الروحية، فإنه يصل إلى أعلى مرتبة من النضوج والكمال الإنسانية، وهي المرتبة التي تكون فيها النفس الإنسانية في حالة اطمئنان وسكينة، وينطبق عليها وصف ” النفس المطمئنة” قال تعالى : { يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}
ويمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلاثة للنفس، وهي النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة على أنها حالات تتصف بها شخصية الإنسان في مستويات مختلفة من النضج التي تمر بها أثناء صراعها الداخلي بين الجانبين المادي والروحي من طبيعة تكوينها .
فحينما تكون شخصية الإنسان في أدنى مستوياتها الإنسانية بحيث تسيطر عليها الأهواء والشهوات الملذات البدنية والدنيوية، فإنها تكون في حالة ينطبق عليها وصف النفس الأمارة بالسوء ، وحينما تبلغ الشخصية أعلى مستويات النضج والكمال الإنساني حيث يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية فإنها تصبح في الحالة التي، ينطبق عليها وصف النفس المطمئنة .
وبين هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه الإنسان نفسه على ما يرتكب من أخطاء، ويسعى جاهداً للامتناع عن ارتكاب ما يغضب الله ويسبب به تأنيب الضمير، ولكنه لا ينجح دائمـاً في مسعاه، فقد يضعف أحياناً ويقع في الخطيئة ، ويطلق إلى الشخصية في هذا المستوى النفس اللوامة .
الشخصية السوية :
إن الحل الأمثل للصراع بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان هو التوفيق بينهما، بحيث يقوم الإنسان بإشباع حاجاته البدنية في الحدود التي أباحها الشرع، وتقوم في الوقت نفسه بإشباع حاجاته الروحية .
ومثل هذا التوفيق بين حاجات البدن وحاجات الروح يصبح أمراً ممكناً إذا التزم الإنسان في حياته بالتوسط و- الاعتدال ، وتجنب الإسراف والتطرف سواء في إشباع دوافعه البدنية أو الروحية.فليس في الإسلام رهبانية تقاوم إشباع الدوافع البدنية وتعمل على كبتها .
كما ليس في الإسلام إباحة مطلقة تعمل على الإشباع التام للدوافع البدنية دون ضبط وتحكم، وإنما ينادي الإسلام بالتوفيق بين دوافع كل من البدن والروح، واتباع طريق وسط يحقق التوازن رين الجانبين المادي والروحي في الإنسان . وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم: { وابتغ في آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا }.
ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى أيضا: ( إن الرهبانية لم تكتب علينا ). رواه أحمد . وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، قد غفر له ما تقدم من ذنب وما تأخر، فقال أحدهم : أما أنا فإني أقوم الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ،أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني رواه الشيخان والنسائي .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار) ، قلت: إني أفعل ذلك قال: ( فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك وإن لنفسك عليك حقا ولأهلك حقا فصم وأفطرا وقم ونم ). رواه الشيخان .
وحينما يتحقق التوازن بين البدن والروح تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الكاملة السوية، والتي تمثلت في شخصية النبي صلوات الله عليه وسلامه- التي توازنت فيها القوة الروحية الشفافة، والحيوية الجسمية الفياضة، فكان يعبد ربه حق عبادته في صفاء وخشوع تامين، كما كان يعيش حياته البشرية مشبعا لدوافعه البدنية في الحدود التي رسمها الشرع .
ولذلك فهو يمثل الإنسان الكامل، والشخصية السوية النموذجية الكاملة التي توازنت فيها جميع القوى الإنسانية البدنية منها والروحية . وفي الحديث الشريف : ( حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة ). روإه النسائي وأحمد والحاكم .
إن الشخصية السوية في الإسلام هي :
السويه
الشخصية التي يتوازن فيها البدن والروح ، وتشبع فيها حاجات كل منهما . إن الشخصية السوية هي التي تعني بالبدن وصحته وقوته ، وتشبع حاجاته في الحدود التي رسمها الشرع، والتي تتمسك في نفس الوقت بالإيمان بالله ، وتؤدي العبادات، وتقوم بكل ما يرضي الله تعالى، وتتجنب كل ما يغضبه .
فالشخص الذي ينساق وراء أهوائه وشهواته شخص غير سوي. وكذلك فإن الشخص الذي يكبت حاجاته البدنية، ويقهر جسمه ويضعفه بالرهبانية المفرطة والتقشف الشديد، وينزع إلى إشباع حاجاته وأشواقه الروحية فقط ، هو أيضا شخص غير سوي وذلك لأن كلا من هذين الاتجاهين المتطرفين يخالف الطبيعة الإنسانية، ويعارض فطرتها .
وحينما يتحقق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الكاملة السوية، والتي ينعم فيها الإنسان بكل من الصحة البدنية و النفسية، ويشعر فيها الإنسان بالأمن النفسي والطمأنينة والسعادة .
والتوازن وشخصية الإنسان بين البدن والروح ليس إلا مثالا للتوازن الموجود في الكون بأكمله . فقد خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء بمقدار وميزان . قال تعالى : { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } .
وقال تعالى : { وكل شيء عنده بمقدار }.
وقال تعالى : { إنا كل شيء. خلقناه بقدر }.
وقال تعالى : { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } .
إن الصحة النفسية تهدف إلى تنمية الفرد وجعله قادرا على نشاط مثمر وربط علاقات سوية مع الغير مع التمتع بإرادة ثابتة وعقيدة مثلى ليعيش في سلام وسعادة مع نفسه وذويه والمجتمع بصفة عامة.
وإن الصراعات الباطنية التي يخوضها المرء طيلة حياته من شأنها أن تتسبب في اضطرابات نفسية شديدة إن لم يقع حلها بصفة مرضية وأخطر الصراعات تتمثل في الأنانية المفرطة والرغبات الملحة لتحقيق الشهوات مهما كانت الطرق والحيل المستعملة لهذا الغرض.
وقد أجمع الكثير من العلماء على أن الخطأ هو في الذنب والألم الذي يشربه الإنسان نتيجة ما ارتكبه من أعمال سيئة وقذرة. وتعتبر هذه العقدة كعنصر أساسي لتكوين العصابات يعني الأمراض العصبية باعتبار أن مظاهر سوء التوافق النفسي تمثل أمراض الضمير بل هي حيلة دفاعية للهروب من تأنيب الضمير.
ومن أهم الأعراض النفسية المرضية مشاعر القلق والحصر والشعور بالذنب والخطأ أو بالعكس العدوان الظلم والسلوك المضطرب، والمنحرف الخارج عن الإقليم والمقاييس الاجتماعية . وتحث القيم الدينية على التحكم في الدوافع والتغلب عليها بسيطرة النفس الفاضلة الضمير وهو الأنا الأعلى عند فرويد .
ونفهم إذن كيف في مجتمعنا العربي الإسلامي ، أن نتماشى مع هذه القيم الدينية الأصيلة التي لا تزال قائمة في النفوس بشكل من الأشكال، وتعالج عادة الفرد من الصراع الذي يتخبط فيه انطلاقا من هذه المقاييس .
والمريض يفهم خطابنا هذا ولا يفهم كلاما آخر مثل الكلام الغامض المعقد الذي نستخرجه من بعض النظريات شبه العلمية الغربية المصدر والتي لا تنفك باقية يوما بعد يوم عرضة إلى الانتقاد والمراجعة في المجتمع الغربي نفسه .
زد على ذلك كشرط تقني أساسي للتشخيص والعلاج، ضرورة فهم المريض من الداخل والتماشي معه يعني مع اعتقاداته وقيمه وإجمالا مع قواعد شخصيته الأساسية وهو السبيل الأفضل لمعاينته الدقيقة ولتركيز تشخيص مرضه بصفة قويمة ثابتة .
هذا وإن الدين الإسلامي يكون وسيلة لتحقيق الإيمان والسلام النفسي وهو إيمان وأخلاق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة والسلام .
وقد كتب وحلل وألف الكثير من الأطباء والعلماء المسلمين في مجال السعادة النفسية، وإن كل المذاهب الفلسفية الإسلامية التي تعرضت إلى فهم الروح وتحليل جوهرها وماهيتها قد أتت كما هو معلوم بتعاليم قيمة لتحقيق الاطمئنان للأفراد والجماعات، عبر الزمان والمكان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق