سارة مطر
حتى الآن لست مهووسة بشعب دون آخر، لست شغوفة بعبقرية اليابان وتقدم الصين الشعبية، ربما أبدو للبعض أني بليدة المشاعر، أو لا أملك حس الرغبة في التطور أو النظرة المستقبلية لعالمي. لكني مازلت ممتنة لكل الأشياء المحيطة بي، سعيدة وفخورة بكل ما أمتلكه حتى لو كان ما بيدي صغيراً وضئيلاً، وأعتقد أن ما أشعر به جاء نتيجة شبع حقيقي نفسي، بعد وقت طويل من الظمأ الداخلي للحياة.
قبل أسبوعين قرأت تجربة المستشرق الياباني الشهير نوبوأكي نوتوهارا في كتابه الرائع «العرب وجهة نظر يابانية» واستمتعت بكل التفاصيل الدقيقة التي كتبها عن الفارق الاجتماعي والفكري والعقائدي بين اليابان والعرب بصورة عامة. أحببت نظرته الغريبة تجاهنا، أحببت تلك النظرة المدهشة التي يقف أمامها، وهو يتساءل كيف يمكن لديكتاتور أن يحكم طوال عمره، وكيف يتم قمع الطفل العربي، حيث أنه لم يجد في أي مدينة عربية مرافق عامة خاصة بالأطفال، في حين أن في اليابان مثلاً يحسبون حساب الطفل كجزء أساسي من بناء أي حي أو مرفق عام، لكنه متفاجئ أنه يرى الأطفال في المدن العربية يلعبون على الأرصفة وفي الأزقة والشوارع أحياناً، فيقول «الجسد مقموع في البلدان العربية ربما كان الجسد مقموعاً في العالم كله، ولكن الأمور نسبية دائماً فعندما نقرّ بأن القمع موجود في مكان ما فإن ذلك يعني ضمناً مقارنة مع مكان آخر».
وانتقل في كتابه ليتساءل بدهشة عجيبة، لم يجد لها إجابة بأنه لا يعرف كيف يصلي الشعب العربي ويخاف الله، لكنه يجد الأمر عادياً أن يسرق أجنبياً بحجة عدم فهم الأجنبي لسعر الخدمة أو البضاعة. وأكثر ما توقفت عنده، هو رؤيته في عدم وعي الآخرين بمفهوم المسؤولية المجتمعية، والفرق بين أن تكون أنانياً ومؤثراً في وطنك، على أن تكون شخصا لا يهتم إلا بمصلحته الشخصية، إنه يقول دون مراوغة كيف لم يستغل هذا الشعب العربي المسلم، قيم دينه ليطبقها على مجمل حياته، لكي يصبح لهُ دورا عميقا سواءً لمجتمعه أو لنفسه.
وضحكت جداً حينما قال نوتوهارا بأن الحاكم العربي يخاطب الشعب بكلمة، يا أبنائي وبناتي. عندنا في اليابان تعتبر هذه الكلمة إهانة بالغة إذا استعملها مسؤول مهما كان كبيراً. نحن لا نقبل بهذه الصيغة نحن نقول لرئيس الوزراء: أنت حر في بيتك ولكن خارج البيت نحن لا نسمح لك. نحن نعرف أن مكانة الأب شبه مقدسة في البلدان العربية، داخل الأسرة استناداً إلى الدين والأعراف والأوضاع الاجتماعية التقليدية ولذلك فالأب خارج البيت رجل آخر.
ما يود أن يقوله المستشرق بأننا شعب عاطفي جداً، وأن الحاكم حينما يخاطبنا بهذه اللهجة، فهو يتعمد أن يستفيد عاطفياً من لهجة الأبوة لكي يسيطروا بشكل واضح على الشعب، وربما قصد مثلاً بخطابات عبدالناصر والسادات! ولكن المستشرق يعود فيقول، إن الحكام بشكل عام يرتكبون الأخطاء وعلينا أن ننتبه دائماً إلى أعمالهم، وأن نراقبهم بشدة لكي لا ينحرفوا.
لذا أحب أن أقول هنا، استناداً على ما كتبه نوتوهاران.. أيها الحاكم العربي أنت تعمل من أجل الشعب، أما والدي فهو يجلس بجانبي الآن، ويستثمر كل طاقته لي ولأخوتي!
تم النشر في: 26 Jan 2014
نقلا عن الوطن القطرية
حتى الآن لست مهووسة بشعب دون آخر، لست شغوفة بعبقرية اليابان وتقدم الصين الشعبية، ربما أبدو للبعض أني بليدة المشاعر، أو لا أملك حس الرغبة في التطور أو النظرة المستقبلية لعالمي. لكني مازلت ممتنة لكل الأشياء المحيطة بي، سعيدة وفخورة بكل ما أمتلكه حتى لو كان ما بيدي صغيراً وضئيلاً، وأعتقد أن ما أشعر به جاء نتيجة شبع حقيقي نفسي، بعد وقت طويل من الظمأ الداخلي للحياة.
قبل أسبوعين قرأت تجربة المستشرق الياباني الشهير نوبوأكي نوتوهارا في كتابه الرائع «العرب وجهة نظر يابانية» واستمتعت بكل التفاصيل الدقيقة التي كتبها عن الفارق الاجتماعي والفكري والعقائدي بين اليابان والعرب بصورة عامة. أحببت نظرته الغريبة تجاهنا، أحببت تلك النظرة المدهشة التي يقف أمامها، وهو يتساءل كيف يمكن لديكتاتور أن يحكم طوال عمره، وكيف يتم قمع الطفل العربي، حيث أنه لم يجد في أي مدينة عربية مرافق عامة خاصة بالأطفال، في حين أن في اليابان مثلاً يحسبون حساب الطفل كجزء أساسي من بناء أي حي أو مرفق عام، لكنه متفاجئ أنه يرى الأطفال في المدن العربية يلعبون على الأرصفة وفي الأزقة والشوارع أحياناً، فيقول «الجسد مقموع في البلدان العربية ربما كان الجسد مقموعاً في العالم كله، ولكن الأمور نسبية دائماً فعندما نقرّ بأن القمع موجود في مكان ما فإن ذلك يعني ضمناً مقارنة مع مكان آخر».
وانتقل في كتابه ليتساءل بدهشة عجيبة، لم يجد لها إجابة بأنه لا يعرف كيف يصلي الشعب العربي ويخاف الله، لكنه يجد الأمر عادياً أن يسرق أجنبياً بحجة عدم فهم الأجنبي لسعر الخدمة أو البضاعة. وأكثر ما توقفت عنده، هو رؤيته في عدم وعي الآخرين بمفهوم المسؤولية المجتمعية، والفرق بين أن تكون أنانياً ومؤثراً في وطنك، على أن تكون شخصا لا يهتم إلا بمصلحته الشخصية، إنه يقول دون مراوغة كيف لم يستغل هذا الشعب العربي المسلم، قيم دينه ليطبقها على مجمل حياته، لكي يصبح لهُ دورا عميقا سواءً لمجتمعه أو لنفسه.
وضحكت جداً حينما قال نوتوهارا بأن الحاكم العربي يخاطب الشعب بكلمة، يا أبنائي وبناتي. عندنا في اليابان تعتبر هذه الكلمة إهانة بالغة إذا استعملها مسؤول مهما كان كبيراً. نحن لا نقبل بهذه الصيغة نحن نقول لرئيس الوزراء: أنت حر في بيتك ولكن خارج البيت نحن لا نسمح لك. نحن نعرف أن مكانة الأب شبه مقدسة في البلدان العربية، داخل الأسرة استناداً إلى الدين والأعراف والأوضاع الاجتماعية التقليدية ولذلك فالأب خارج البيت رجل آخر.
ما يود أن يقوله المستشرق بأننا شعب عاطفي جداً، وأن الحاكم حينما يخاطبنا بهذه اللهجة، فهو يتعمد أن يستفيد عاطفياً من لهجة الأبوة لكي يسيطروا بشكل واضح على الشعب، وربما قصد مثلاً بخطابات عبدالناصر والسادات! ولكن المستشرق يعود فيقول، إن الحكام بشكل عام يرتكبون الأخطاء وعلينا أن ننتبه دائماً إلى أعمالهم، وأن نراقبهم بشدة لكي لا ينحرفوا.
لذا أحب أن أقول هنا، استناداً على ما كتبه نوتوهاران.. أيها الحاكم العربي أنت تعمل من أجل الشعب، أما والدي فهو يجلس بجانبي الآن، ويستثمر كل طاقته لي ولأخوتي!
تم النشر في: 26 Jan 2014
نقلا عن الوطن القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق